بحث

البطريرك الماروني: هل الضمير مفقود لدى جميع المعنيين بكل قطاعات الحياة في لبنان؟ البطريرك الماروني: هل الضمير مفقود لدى جميع المعنيين بكل قطاعات الحياة في لبنان؟ 

البطريرك الماروني: هل الضمير مفقود لدى جميع المعنيين بكل قطاعات الحياة في لبنان؟

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي الأحد السادس والعشرين من شباط فبراير في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة بعنوان "إذا شئت، فأنت قادرٌ أن تطهّرني" (مر 1: 40)، في أحد شفاء الأبرص، وقال "كم نحن والجميع بحاجة لإدراك البرص الذي يصيبنا، ونذهب بإيمان ذاك الأبرص إلى يسوع، ونقول له بتواضع: "إن شئت، فأنت قادرٌ أن تطهّرني" (مر 1: 40).

قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته مترئسا قداس الأحد "لا يقتصر البرص على المرض الجلدي، بل يتعدّاه إلى المستوى الروحي بالخطيئة، وإلى كل من المستوى الاجتماعي والخلقي والسياسي. فاجتماعيا، ثمة أناس عديدون منبوذون كالأبرص ومهمشون في قلب عائلاتهم، بين الزوجين وبين الأولاد ووالديهم. وهناك منبوذون ومهمشون في حيهم وبلدتهم ومجتمعهم، فلا احترام لهم، ولا دور في الحياة العامة لأسباب عائلية أو سياسية. وهناك فقراء ومرضى ومعاقون ومسنون متروكون ومهملون. وخلقيا، البرص الخلقي يطال كرامة الشخص البشري بعاداته وأفعاله المنحرفة، وبتحجّر ضميره وقلبه، بالسرقة، والرشوة، والغش في التجارة، ورفع الأسعار بغية جني الأرباح، واستلاب أموال الدولة بشتى الطرق، والتزوير في تأدية الضرائب والسندات والبيانات المالية. (تألّق الحقيقة، 100). وسياسيا، نشهد برصًا يشوّه كرامة السلطة السياسية، فتنحرف عن مبرر وجودها، أي خدمة الخير العام الذي يؤدي إلى خير كل إنسان وكل الانسان. هذا البرص يتآكل روح المسؤولية والضمير، ويصل بالمواطنين إلى أوخم النتائج: إلى العوز الاقتصادي والبؤس الاجتماعي، وإلى امتهان كرامتهم وقهرهم بحرمانهم حقوقهم".

وأشار البطريرك الراعي إلى أن "البرص السياسي عندنا في لبنان يصبح أكثر فأكثر خطرًا على الهوية اللبنانية والكيان، والسبب الأساسي هو ضرب رأس الدولة برفض المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية ضنًّا بالمصالح الفردية والفئوية، وحفاظا على مشاريع تورّط لبنان وانتخاب رئيسه أكثر فأكثر في اللعبة الإقليمية والدولية. فلا يأتي الرئيس الجديد تعبيرًا عن إرادة الشعب اللبناني، إنما تعبيرًا عن مشاريع متناثرة في الشرق الأوسط الذي لا يعرف أحد حقيقتها وأين ستستقر رغم جميع المفاوضات بشأنه منذ ثلاثين سنة. هذا هو الخطر الكبير على مصير الأمّة اللبنانية ودولة لبنان. ونأمل أن تُثمر المفاوضات الجارية في هذه الأثناء بين أصدقاء لبنان عن حل يأخذ مصلحة لبنان بشكل مستقل عن تسويات الشرق الأوسط. ونتساءل في الوقت عينه: لماذا يسعى الأطراف اللبنانيون إلى آليات غير دستورية وغير لبنانية طالما لدينا آلية دستورية تغنينا عن أبحاث لا طائل منها؟ فمهما طال زمن الشغور الرئاسي - شهورًا أو سنوات - لا بد من أن تجري العملية الانتخابية لرئاسة الجمهورية من خلال آلية الاقتراع في المجلس النيابي. فلماذا الانتظار؟"

المشكلة – قال البطريرك الراعي – "هي أن كل فريق يرفض أي تنازل لتسهيل انتخاب الرئيس لأنه يظن نفسه هو الذي سينتصر من خلال "خارج الدستور" والمؤتمرات. وحين يظن الجميع أن كلهم منتصرون يعني أن كلهم مهزومون، والخاسر هو لبنان وشعبه. هناك انتصارات وهمية لها طعم الهزائم أكثر من الهزائم الفعلية. إذا استمر هذا المنطق، الخالي من روح المسؤولية ومن صوت الضمير ومن نداء الواجب الوطني، نخشى أن تطول مدة الشغور الرئاسي كما تشير غالبية المعطيات. إن المجتمعات الدولية تعجب من الوضع اللبناني. فهي ترى شعبا قويا مثقفا قد وضع أول نظام ديمقراطي منذ مئة سنة، وانتخب أول رئيس للجمهورية في الشرق، ويعيد اليوم بناء ذاته من دون دولة. إن الجماعة السياسية ليست لهذا الشعب الحي ولهذا النظام الديمقراطي، بل إن هذين الشعب والنظام ليسا لهذه الجماعة".

وأضاف غبطته "ووجه آخر من البرص السياسي باد في طريقة معالجة موضوعي المصارف والمودِعين في ظل الصراعات الشخصية والسياسية التي تنذر بنتائج عكسية تطيح بالأخضر واليابس في نظام المصارف وتقضي على سمعة لبنان النقدية الخارجية، فيصبح لبنان دولة خارج النظام المالي العالمي، وحينها لا فائدة من أي علاج. فالشعوبية والحقد أخطر سلاحين في وضعنا المالي الحالي. لذلك نحذر من المس من جهة بأموال الشعب، ومن جهة أخرى بالنظام المصرفي اللبناني، لاسيما مصرف لبنان المركزي الذي هو الرابط بين لبنان والنظام المالي الدولي إن موضوعا بهذه الأهمية لا يُعالج بمثل هذه الظروف حيث لا يُعرف الخيط القضائي من الخيط السياسي ومن الخيط الشخصي. والبرص الاجتماعي باد كذلك في الأزمة الاجتماعية والمعيشية والطبية، إن غالبية المواد التي يُدّعى أنها مفقودة ويُعمل على استيرادها، موجودة في لبنان وقيد الحجز لدى العديد من المستوردين ولا يوزعوها على الأسواق إلا مع رفع الدعم عنها وارتفاع سعر الدولار. لذلك ننتظر تحركا سريعا من أجهزة الدولة لأن هناك أناسا يموتون – بكل معنى الكلمة - بسبب حجب هذه المواد عنهم، وبخاصة المواد الطبية. فهل الضمير مفقود لدى جميع المعنيين بكل قطاعات الحياة في لبنان؟"

وفي ختام عظته، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "كم نحن والجميع بحاجة لإدراك البرص الذي يصيبنا، ونذهب بإيمان ذاك الأبرص إلى يسوع، ونقول له بتواضع: "إن شئت، فأنت قادرٌ أن تطهّرني" (مر 1: 40). لله كل مجد وشكر وتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين".

27 فبراير 2023, 12:15