البابا يترأس قداساً في يوحنا اللاتيران في عيد تكريس الكاتدرائية
ألقى البابا عظة المناسبة توقف فيها عند كلمات المزمور السادس والأربعين "هناك نهر فروعه تُفرح مدينة الله" ولفت إلى أن المسيحيين الذين يقطنون تلك المدينة هم بمثابة النهر الذي يتدفق من الهيكل إذ يحملون كلمة حياة ورجاء قادرة على إخصاب صحاري القلوب، تماماً كالنهر الذي تتحدث عنه رؤيا النبي حزقيال، ويشفي مياه البحر الميت.
وشدد البابا في هذا السياق على ضرورة أن يتدفق هذا النهر من الهيكل ليتجه نحو أراض قاحلة وعدائية. لذا فالمدينة تبتهج عندما ترى المسيحيين يتقاسمون كلمة الله بفرح وعزم، ويسعون إلى تحقيق الخير العام. وهكذا تصبح الأرض القاحلة والعدائية كحديقة تغطيها الأشجار الخضراء والثمار التي تحمل الشفاء. بعدها تمنى البابا أن يبتهج الرب عندما يرانا نعمل ونحن مستعدون للإصغاء لصراخ الفقراء، مشجعا المؤمنين على التلاقي مع الآخرين، والدخول في حوار معهم والإصغاء إليهم بوداعة ومجانية وبقلب متواضع. وهكذا نوسّع آفاقنا لنستشعر بحضور الله وعمله في المدينة. وهذا التأمل يولد من المحبة.
هذا ثم توجّه البابا إلى كهنة أبرشية روما وذكّرهم بما كتبه القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنتوس "فما من أحد يستطيع أن يضع غير الأساس الذي وضع، أي يسوع المسيح". وشدد على أن هذا هو واجب الكهنة وجوهر خدمتهم: أن يساعدوا الجماعة على المكوث عند قدمي الرب لتصغي إلى كلماته، وإبعادها عن الأمور الدنيوية والمساومات السيئة، والحفاظ على أساس وجذور البناء الروحي: الدفاع عن الجماعة من الذائب المفترسة، وممن يريدون إبعادها عن دروب الإنجيل. وشجع فرنسيس الكهنة على أن يبقوا يقظين كي يتصدوا لأفكار يمكن أن توضع كأساس للكنيسة عوضا عن الإنجيل لأن هذه الأفكار التي يبدو أنها تعود بالفوائد الآنية يمكنها أن تؤدي إلى انهيار البناء الروحي.
بعدها لفت البابا إلى أنه مذ أن أصبح أسقفاً على أبرشية روما تعرف على العديد من الكهنة عن كثب، وأُعجب بإيمانهم ومحبتهم للرب، وقربهم من الأشخاص وسخائهم حيال الفقراء. وقال إن كهنة روما يعرفون أحياء المدينة أكثر من سواهم كما يعرفون الأشخاص المتألمين وقد وضعوا جانبا الأيديولوجيات والمصالح الشخصية ليفعلوا ما يريده الله منهم. وسأل فرنسيس الرب أن يبارك هؤلاء الكهنة متمنياً أن تكون العلاقة الحميمة معه المكافأة الحقة للنشاط اليومي الذي يؤدّونه.
وتضمنت عظة البابا أيضا رسالة وجهها إلى مختلف الفرق الرعوية في أبرشية روما وذكّرهم بأن الرب يمكن أن يختار أحيانا التصرفات القوية – كما حصل مع تجار الهيكل – كي يُحدث تغييراً ويقلبَ واقعاً ما، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من القدسين فعلوا الأمر نفسه وكانت تصرفاتهم، التي لم يفهمها المنطق البشري، ثمرة إلهام حرّكه الروح القدس وشاؤوا أن يساعدوا رجال ونساء زمانهم على أن يدركوا أن أفكار الله ليس كأفكار البشر، كما يؤكد النبي أشعياء. ولفت فرنسيس إلى أن الرب يسوع هاجم تجار الهيكل لأنهم جعلوا من بيت الله مغارة لصوص في وقت أراد فيه الله أن يكون بيته بيت صلاة. وكانت عملية تطهير الهيكل ضروريةً كي يكتشف شعب إسرائيل دعوته من جديد. وكان يسوع يدرك أن كلفة ما فعله ستكون باهظة وعندما سألوه: أي آية ترينا حتى تعمل هذه الأعمال؟ أجباهم: انقضوا هذا الهيكل أقمه في ثلاثة أيام!
في ختام عظته شجع البابا كهنة أبرشية روما ومختلف الفرق الرعوية على بلوغ جميع سكان المدينة والبحث عن سبل جديدة للقاء الأشخاص البعيدين عن الإيمان وعن الكنيسة. وذكّرهم بأنه لا يوجد قلب بشري لا يستطيع أن يدخل إليه الرب وغالبا ما يقوم الإنسان بإنقاض الهيكل الذي يمنحه إياه الله، لكن الرب قادر على إقامته في ثلاثة أيام، وتمنى فرنسيس أن يتمكن الجميع من مشاركة الرب في السر الفصحي من خلال العمل التبشيري.
وقبل أن يترأس القداس في كاتدرائية يوحنا اللاتيران التقى البابا وفداً من حركة "العالم الرابع" وتلا معهم صلاة كتبها مؤسس الحركة خادم الله الكاهن Joseph Wresinsk، رُفعت على نية ملايين الأطفال والفتيان والرجال والنساء المتألمين حول العالم ويطمحون إلى عالم أكثر عدلا وتضامناً. وتُليت الصلاة أمام لوح تذكاري أقيم إحياء لذكرى ضحايا البؤس، وللمناسبة أطلق البابا الاحتفال باليوم العالمي للفقير والذي سيبلغ ذروته في السابع عشر من الجاري بقداس احتفالي يترأسه فرنسيس في بازيليك القديس بطرس. وكُتبت على اللوحة التذكارية وهي نخسة عن اللوحة التي وضعها مؤسس الحركة في باريس في العام 1987 العبارات التالية "حيث يُحكم على البشر أن يعيشوا في البؤس تُنتهك حقوق الإنسان. الاتحاد من أجل ضمان احترامها واجب مقدّس".