البابا فرنسيس: الشريعة الحقيقية تجد كمالها في حياة الروح التي أعطانا يسوع إياها
أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول لقد وصلنا إلى خاتمة التعاليم حول الرسالة إلى أهل غلاطية. كم من المحتويات الأخرى، الموجودة في رسالة القديس بولس هذه، كان من الممكن لنا أن نتأمل فيها! إنها كلمة الله ينبوع لا ينضب. وقد تحدث إلينا بولس الرسول في هذه الرسالة كمبشر وكلاهوتي وراعي.
تابع البابا فرنسيس يقول كتب الأسقف القديس أغناطيوس الأنطاكي تعبيرًا جميلاً: "هناك معلم واحد فقط قد تكلم، وما قاله قد تم. لكن الأشياء التي فعلها في صمت هي تليق بالآب. إنَّ الذي يمتلك كلمة يسوع يمكنه أيضًا أن يصغي إلى صمته". وبالتالي يمكننا أن نقول إن بولس الرسول كان قادرًا على أن يعطي صوتًا لهذا الصمت. ويمكن لأفكاره الأصلية أن تساعدنا على اكتشاف الحداثة المذهلة التي يتضمنها وحيُ يسوع المسيح. لقد كان لاهوتيًا حقيقيًا تأمل في سر المسيح ونقله بذكائه الخلاق. وتمكن أيضًا من ممارسة رسالته الرعوية تجاه جماعة ضائعة ومشوشة. وقد قام بذلك بطرق مختلفة: فكان يستخدم من وقت لآخر السخرية والصرامة والوداعة... طالب بسلطته كرسول، لكنه في الوقت عينه لم يخف نقاط ضعف شخصيته. لقد حفرت قوة الروح في قلبه حقًا فاستحوذ اللقاء بالمسيح القائم من بين الأموات على حياته كلّها وحوّلها، فبذلها بالكامل في خدمة الإنجيل.
أضاف الأب الأقدس يقول لم يفكر بولس أبدًا في مسيحية خالية من الحدّة والطاقة، بل على العكس، فقد دافع عن الحرية التي حملها المسيح بشغفٍ لا زال يؤثِّر اليوم أيضًا في الآخرين، لاسيما إذا فكرنا في الآلام والوحدة التي وجب عليه أن يتحملها. لقد كان مقتنعا أنه قد نال دعوة لم يكن بإمكانه أن يجيب عليها وحده؛ وأراد أن يشرح لأهل غلاطية أنهم مدعوون أيضًا إلى تلك الحرية، التي تحرّرهم من جميع أشكال العبودية، لأنها جعلتهم ورثة الوعد القديم، وفي المسيح، أبناء لله. وإذ كان يُدرك المخاطر التي كان يحملها مفهوم الحرية هذا، لم يقلل من حجم العواقب. بل أعاد التأكيد بجرأة وشجاعة للمؤمنين أن الحرية لا تعادل التحرر أبدًا، كما أنها لا تؤدي إلى أبدًا إلى أي شكل من أشكال الاكتفاء الذاتي الظاهر. بل على العكس، فقد وضع بولس الحرية في ظل المحبة وأسس ممارستها الصادقة في خدمة المحبة. ووضع هذه الرؤية بأسرها في أفق الحياة بحسب الروح القدس، الذي يتمم الشريعة التي أعطاها الله لإسرائيل ويمنعهم من السقوط مجدّدًا في عبودية الخطيئة. هذا ما يعلمنا إياه بولس: إن الشريعة الحقيقية تجد كمالها في حياة الروح التي أعطانا يسوع إياها. وحياة الروح هذه يمكن أن تُعاش فقط في الحريّة، الحرية المسيحية. وهذا هو أحد أجمل الأمور.
تابع البابا فرنسيس يقول في نهاية مسيرة التعليم هذه، قد يولد فينا موقف مزدوج. من ناحية، يولد تعليم بولس الرسول الحماس فينا؛ فنشعر بأنَّ هناك من يدفعنا لكي نتبع فورًا درب الحريّة ونسير بحسب الروح، لأن السير بحسب الروح القدس يحرّرنا على الدوام. ولكن من ناحية أخرى، نحن ندرك محدوديّتنا، لأننا نلمس بأيدينا كل يوم مدى صعوبة أن نطيع الروح القدس ونطلق العنان لعمله فينا. عندها قد يكبح التعب الحماس. فنشعر أننا محبطين وضعفاء وأحيانًا مهمّشين إزاء أسلوب الحياة وفقًا لذهنية العالم. ولذلك يقترح علينا القديس أوغسطينوس كيفية التصرُّف في هذا الموقف، مشيرًا إلى حادثة الإنجيل للعاصفة على البحيرة. ويقول: "إنَّ إيمان المسيح في قلبك هو مثل المسيح في القارب. أنت تسمع الإهانات، وتتعب، وتتضايق، والمسيح نائم. أيقظ المسيح، وهزَّ إيمانك! لأنه حتى وفي حالة الاضطراب، يمكنك أن تقوم بشيء ما. هز إيمانك. فيستيقظ المسيح ويكلمك... لذلك أيقظ المسيح... وآمن بما قيل لك، وسيكون هناك هدوء عظيم في قلبك". في لحظات الصعوبة نحن - كما يقول القديس أوغسطينوس هنا - في القارب في لحظة العاصفة. وماذا فعل الرسل؟ أيقظوا المسيح. وبالتالي في العاصفة، أيقظ المسيح النائم وإنما الحاضر. إنَّ الشيء الوحيد الذي يمكننا أن نفعله في الأوقات السيئة هو أن نوقظ المسيح الذي بداخلنا، الذي ينام كما كان نائمًا في قارب. هذا كل شيء. يجب أن نوقظ المسيح في قلوبنا وعندها فقط سنتمكن من التأمل في الأمور بنظرته، لأنه يرى أبعد من العاصفة. ومن خلال نظرته الهادئة، يمكننا أن نرى مشهدًا لا يمكننا أن نراه وحدنا ولا حتى أن نتصوّره.
أضاف الحبر الأعظم يقول في هذه المسيرة المُلزمة والرائعة، يذكرنا بولس الرسول أنه لا يمكننا أن نتعب من فعل الخير، ولا يجب أن نتعب من فعل الخير. وإنما علينا أن نثق في أن الروح القدس يأتي دائمًا لمساعدة ضعفنا ويمنحنا الدعم الذي نحتاجه. لذلك لنتعلم أن نستدعي الروح القدس غالبًا! قد يسألني أحدكم "ولكن يا أبتِ كيف نستدعي الروح القدس؟ لأني أعرف كيف أصلي إلى الآب بصلاة الأبانا؛ وأعرف كيف أصلي للعذراء بصلاة "السلام عليك"؛ أعرف كيف أصلي ليسوع بصلاة الجراح لكن لا أعرف صلاة الروح القدس... ما هي صلاة الروح القدس؟ إنَّ صلاة الروح القدس عفوية: يجب أن تولد من قلبك. وبالتالي يجب أن تسأل في أوقات الشدة: "تعال أيها الروح القدس". الكلمة الأساسية هنا هي: تعال. ولكن عليك أن تقولها بلغتك وبكلماتك. تعال لأنني في صعوبة، تعال لأنني في الظلام، تعال لأنني لا أعرف ماذا أفعل؛ تعال لأنني على وشك السقوط. تعال: إنها كلمة الروح القدس.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول لنتعلم أن نستدعي الروح القدس غالبًا. يمكننا أن نفعل ذلك بكلمات بسيطة، في أوقات مختلفة من اليوم. ويمكننا أن نحمل معنا، ربما في إنجيلنا الصغير، الصلاة الجميلة التي تتلوها الكنيسة في عيد العنصرة: هلم أيها الروح القدس، وأرسل من السماء شعاع نورك. هلم يا أبا المساكين. هلم يا معطي المواهب. هلم يا ضياء القلوب. أيها المعزي الجليل، يا ساكن القلوب العذب، أيتها الاستراحة اللذيذة، أنت في التعب راحة... إنها صلاة جميلة. ولكن إن لم تكن لديك هذه الصلاة أو لم تتمكن من العثور عليها، فإن جوهر الصلاة هو "تعال"، على مثال العذراء مريم التي كانت تصلي مع الرسل في الأيام التي صعد فيها يسوع إلى السماء، وكانوا وحدهم في العلية يصلّون: "تعال أيها الروح القدس". من الجيد أن نصلّي هذه الصلاة غالبًا. تعال أيها الروح المقدس. لأننا بحضور الروح القدس نحن نصون الحرية. سنكون أحرارًا، مسيحيين أحرارًا، غير مرتبطين بالماضي بالمعنى السيئ للكلمة، وغير مقيدين بالممارسات. إن الحرية المسيحية هي التي تجعلنا ننضج. لتساعدنا هذه الصلاة لكي نسير في الروح والحرية والفرح، لأنه عندما يأتي الروح القدس يأتي الفرح الحقيقي.