البابا فرنسيس: لتعلِّمنا العذراء مريم أن نكتشف مجدّدًا الحاجة الحيويّة للتواضع واللذة الحيّة للعبادة
بمناسبة عيد ظهور الرب تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الخميس صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس؛ وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة استهلّها بالقول اليوم، في عيد ظهور الرب، نتأمل حدث المجوس. لقد واجهوا رحلة طويلة ومرهقة ليذهبوا ويعبدوا "ملك اليهود". تقودهم علامة رائعة: نجم ظهر في السماء، وعندما يصلون أخيرًا إلى وجهتهم، بدلاً من أن يجدوا أمرًا عظيمًا رأَوا الطِّفلَ مع أُمِّه. كان بإمكانهم أن يحتجّوا: "كلَّ هذه المسافات والعديد من التضحيات لكي نمثل أمام طفل فقير؟". ومع ذلك، لم يتشكّكوا ولم يَخِب أملهم. ولم يتذمّروا بل سجدوا. ويقول الإنجيل: "وَدخَلوا الَبيتَ فرأَوا الطِّفلَ مع أُمِّه مَريم. فجَثَوا له ساجِدين".
تابع الأب الأقدس يقول لنفكر في هؤلاء الحكماء الذين أتوا من بعيد، أغنياء، مثقفين ومعروفين، يسجدون، أي أنهم ينحنون إلى الأرض ليعبدوا طفلًا! يُدهشنا هذا التصرُّف المتواضع الذي قام به مثل هؤلاء الرجال اللامعين. لقد كان السجود أمام سلطة تقدم نفسها بعلامات القوة والمجد أمرًا شائعًا في ذلك الوقت. وكذلك اليوم أيضًا لن يكون هذا الأمر غريباً. لكن لم يكن الأمر سهلاً أمام طفل بيت لحم. ليس من السهل أن نعبد هذا الإله الذي تبقى ألوهيته مستترة ولا تظهر مُنتصرة. لأنه يعني أن نقبل عظمة الله التي تتجلى في الصِغَر: هذه هي الرسالة. إنَّ المجوس قد تنازلوا أمام منطق الله الفريد، وقبلوا الرب لا كما تخيلوه، ولكن كما هو، صغير وفقير. وسجودهم هو العلامة لمن يضع أفكاره جانباً ويُفسح المجال لله.
أضاف الحبر الأعظم يقول ويصرُّ الإنجيل على هذا الأمر: فهو لا يقول فقط أن المجوس قد سجدوا وإنما يشير إلى أنهم جَثَوا له ساجِدين. وبالتالي يمكننا أن نفهم هذه الإشارة: السجود والجثو يسيران معًا. ومن خلال هذا التصرُّف، يظهر المجوس أنهم يقبلون بتواضع ذاك الذي قدّم نفسه بالتواضع. وبهذه الطريقة انفتحوا على عبادة الله. والصناديق التي فتحوها هي صورة لقلوبهم المفتوحة: لأن غناهم الحقيقي لا يقوم على الشهرة والنجاح، وإنما على التواضع، وفي شعورهم بأنهم بحاجة إلى الخلاص، وهذا هو المثال الذي يقدّمه لنا المجوس اليوم.
تابع البابا يقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إذا بقينا على الدوام في محور كلِّ شيء مع أفكارنا وافترضنا أننا نفتخر بشيء أمام الله، فلن نلتقي به أبدًا في العمق ولن نتمكّن أبدًا من أن نسجد له ونعبده. وإذا لم تسقط ادعاءاتنا، وغرورنا، وعنادنا، وسباقاتنا للتفوّق على الآخرين، سنعبد كذلك شخصًا ما أو شيئًا ما في الحياة، ولكنه لن يكون الرب! أما إذا تخلينا عن ادعاءاتنا بالاكتفاء الذاتي، وإذا جعلنا أنفسنا صغارًا في داخلنا، فسوف نكتشف مجدّدًا دهشة عبادة يسوع والسجود له. لأن العبادة تمرُّ عبر تواضع القلب: وبالتالي من لديه هوس التفوّق على الآخرين لن يتنبّه أبدًا لحضور الرب. سيمر يسوع يقربه ولكنّه سيتجاهله، كما حدث للكثيرين في ذلك الوقت، ولكن ليس للمجوس.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول وبالتالي إذ ننظر اليوم إليهم، لنسأل أنفسنا: كيف هو تواضعي؟ هل أنا مقتنع بأن الكبرياء يعيق تقدُّمي الروحي؟ هل أعمل على طاعتي، لأكون جاهزًا لله وللآخرين أم أركز دائمًا على نفسي ومطالبي؟ هل أعرف كيف أترك وجهة نظري جانبًا لكي أقبل وجهة نظر الله والآخرين؟ وأخيرًا: هل أصلي وأعبد فقط عندما أكون بحاجة إلى شيء ما، أم أنني أقوم بذلك باستمرار لأنني أؤمن أنني بحاجة ليسوع على الدوام؟ لقد بدأ المجوس مسيرتهم بالنظر إلى نجم ووجدوا يسوع. واليوم يمكننا أن نعمل بهذه النصيحة: أن ننظر إلى النجم ونسير. لا تتوقّفوا أبدًا عن السير ولا تتوقّفوا أبدًا عن النظر إلى النجم. لتعلِّمنا العذراء مريم، أمةُ الرب، أن نكتشف مجدّدًا الحاجة الحيويّة للتواضع واللذة الحيّة للعبادة. ولتعلّمنا أن ننظر إلى النجم ونسير قدمًا.