بحث

البابا فرنسيس في مزار تابينو المريمي في غوزو البابا فرنسيس في مزار تابينو المريمي في غوزو 

البابا فرنسيس في مزار تابينو المريمي في غوزو

"هذا هو الإنجيل الذي نحن مدعوّون إلى أن نعيشه: أن نستقبل، ونكون خبراء في الإنسانيّة، ونشعل نيران الحنان عندما يخيّم برد الحياة على الذين يتألّمون" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا الصلاة في مزار تابينو في غوزو

عصر السبت وفي إطار زيارته الرسولية إلى مالطا توجّه البابا فرنسيس إلى جزيرة غوزو إلى مازار تابينو المريمي أشهر مواقع الحج في مالطا، في الغرب، وهي قرية في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة غوزو. كان هذا المزار في الماضي في القرن الخامس عشر ميلادي كنيسة صغيرة، ولكن إذ وجدها في حالة إهمال كبيرة أمر بهدمها القاصد الرسولي بيترو دوزينا، الذي أرسله البابا غريغوريوس الثالث عشر إلى مالطا في عام ١٥٧٥. ومع ذلك، عندما بدأت أعمال الهدم، كسر أحد العمّال ذراعه: فتمَّ تفسير هذا الحدث على أنه علامة وتمَّ إيقاف العمل. لفترة طويلة كانت هذه الكنيسة تابعة لممتلكات عائلة جينتيلي، إلى أن اشتراها بينو غاوشي (ومن هنا جاء اسم تابينو الذي لا تزال معروفة به الكنيسة حتى اليوم) الذي قام بتوسيعها وترميمها وترميم لوحة العذراء سيّدة الانتقال الذي كلّف به الرسام الإيطالي أميديو بيروجينو، والتي لا تزال محفوظة في المزار حتى اليوم. بعدها تم إغلاق الكنيسة، لمدة قرنين من الزمن، إلى أن أعيد فتحها مجددًا بسبب أعجوبة يسردها التقليد: ففي ٢٢ حزيران يونيو عام ١٨٨٣، إذ كانت تمرُّ بالقرب من الكنيسة سمعت امرأة قروية، تدعى كارميلا غريما صوتًا دعاها لكي تتلو ثلاث مرات صلاة "السلام عليك يا مريم"، "واحدة عن كل يوم بقي فيها جسدي في القبر". أخبرت المرأة صديقها، فرانشيسكو بورتيلي، ما حدث معها والذي بدوره كشف لها أنه سمع أيضًا الصوت عينه والطلب عينه بالقرب من الكنيسة. وسرعان ما انتشر خبر هذين الرائيين اللذين كانا قد حصلا في هذه الأثناء على شفاءات عجيبة في جميع أنحاء الجزيرة وأصبحت كنيسة تابينو بالتالي وجهة حج للعديد من الناس، وحصلت على إذن الأسقف لممارسة العبادة المريمية في عام ١٨٨٧، عندما حُفظت جزيرة غوزو بأعجوبة من وباء الكوليرا. للاحتفال بالذكرى المئوية الأولى للظهورات، عُقد مؤتمر اللاهوت المريمي الدولي التاسع والمؤتمر المريمي الدولي السادس عشر في مالطا في أيلول سبتمبر عام ١٩٨٣. كما زار تابينو أيضًا البابا القديس يوحنا بولس الثاني حيث احتفل بالذبيحة الإلهية في ساحة المزار في ٢٦ أيار مايو عام ١٩٩٠.

وصل البابا فرنسيس إلى مزار تابينو عند الساعة السادسة والخمسة عشر دقيقة تقريبًا من عصر السبت إلى المدخل الجانبي للمزار حيث اجتمع حوالي ٣٠٠٠ مؤمن في الساحة الخارجية. وكان في استقباله الكاردينال غريتش أمين عام سينودس الأساقفة ورئيس أساقفة مالطا وأسقف غوزو ورئيس المزار الذي سلّمه الصليب بعدها توجّه الأب الأقدس إلى الكنيسة حيث وضع وردة ذهبية أمام لوحة العذراء، وتلا بدوره ثلاث مرات صلاة السلام عليك يا مريم كما طلبت العذراء مريم في ظهورها. بعدها بارك الحبر الأعظم المرضى الموجودين في الكنيسة وتوجّه إلى ساحة المزار حيث ترأس الصلاة مع المؤمنين المحتشدين في الخارج؛ وخلال الصلاة ألقى البابا فرنسيس عظة قال فيها لما أخذ يسوع على نفسه جراح البشريّة، صلّى وقال: "إِلهي، إِلهي، لِماذا تَرَكْتني؟". هذه هي صلاتنا أيضًا في لحظات الحياة التي يطبعها الألم. ولكن ساعة يسوع ساعة الموت على الصليب لم تكن نهاية التاريخ وإنما بداية حياة جديدة، يمكننا أن نتأمّلها من مزار تابينو، تلك الكنيسة الصغيرة التي أصبحت وجهةَ للحجاج وينبوعَ حياة جديدة.

تابع البابا يقول تفتخر الكنيسة في مالطا بتاريخ ثمين تستقي منه الكثير من الغنى الروحي والرعوي. لكن حياة الكنيسة ليست أبدًا مجرد "تاريخٍ ماضٍ نتذكره"، بل هي "مستقبل عظيم يجب بناؤه"، في الطاعة لمشاريع الله. وبالتالي نحن بحاجة إلى إيمان يتأسّس ويتجدّد في اللقاء الشخصي مع المسيح، وفي الإصغاء اليومي إلى كلمته، وفي المشاركة الفعّالة في حياة الكنيسة، وفي روح التقوى الشعبيّة. أعلم أنّكم بدأتم، من خلال السّينودس، عمليّة تجديد، وأشكُرُكم على هذه المسيرة. أيّها الإخوة والأخوات، هذا هو الوقت المناسب لنعود إلى تلك البداية، تحت الصّليب، وننظر إلى الجماعة المسيحيّة الأولى. لكي نكون كنيسة تهتمّ بالصّداقة مع يسوع وبشارة إنجيله، ولا تبحث عن فسحات واعتبارات، كنيسة تكون الشّهادة فيها هي المحور وليس بعض العادات الدينيّة، كنيسة ترغب في أن تذهب للقاء الجميع مع مصباح الإنجيل المضاء، لا أن تكون دائرة مغلقة. وبالتالي لا تخافوا من أن تسلكوا مسارات جديدة، للبشارة والإعلان، تلمس الحياة

أضاف البابا مشيرًا إلى أن يسوع أوكل العذراء ويوحنا تحت الصليب إلى بعضهما البعض وبالتالي فالعودة  إلى البداية تعني أيضًا أن ننمي فنّ الضيافة. وأكد الحبر الأعظم أن يسوع لم يوكل أمِّه إلى يوحنّا لكي لا تبقى بمفردها بعد موته، وإنما كعلامة ملموسة لنا لعيش الوصيّة الكبرى، وصيّة المحبّة. لأن عبادة لله تمرُّ من خلال القرب الأخوي. وقال إن الاستقبال المتبادل باسم المسيح هو تحدٍّ دائم أوّلاً بالنّسبة لعلاقاتنا الكنسيّة، لأنّ رسالتنا ستؤتي ثمرها إذا عملنا في صداقة وشركة أخويّة. لكن الاستقبال هو أيضًا العلامة بأن الكنيسة مطبوعة بروح الإنجيل.  وذكر البابا في هذا السياق بخبرة الرّسول بولس الذي استقبله سكان مالطا، بعد غرقٍ مروّع، إذ يقول "قابَلَنا الأَهلونَ فأَوقَدوا نارًا وقَرَّبونا جَميعًا إِلَيهِم حَولَها لِنُزولِ المَطَرِ وشِدَّةِ البَرْد"، وقال هذا هو الإنجيل الذي نحن مدعوّون إلى أن نعيشه: أن نستقبل، ونكون خبراء في الإنسانيّة، ونشعل نيران الحنان عندما يخيّم برد الحياة على الذين يتألّمون. أنتم جزيرة صغيرة، ولكن قلبكم كبير. أنتم كنز في الكنيسة وللكنيسة. ولكي نحافظ عليه، يجب أن نعود إلى جوهر المسيحيّة: إلى محبّة الله، محرّك فرحنا، الذي يجعلنا نخرج ونسير في دروب العالم، ونستقبل الآخرين، وهذه هي أبسط وأجمل شهادة لنا في العالم.

02 أبريل 2022, 19:38