البابا فرنسيس يستقبل اللجنة الحبريّة لحماية القاصرين
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة اللجنة الحبريّة لحماية القاصرين في القصر الرسولي بالفاتيكان وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال أشكركم جميعًا على تفانيكم في عمل حماية الأطفال، سواء في حياتكم المهنية أو في خدمة المؤمنين. إنَّ القاصرين والضعفاء هم أكثر أمانًا في الكنيسة اليوم أيضًا بفضل التزامكم. إنها خدمة قد أوكلت إليكم وتتطلب منكم أن تسيروا بها قدمًا بعناية. هناك حاجة إلى اهتمام اللجنة المستمر، لكي لا تكون الكنيسة مكانًا آمنًا للقاصرين ومكانًا للشفاء فحسب، وإنما لكي يصبح من الممكن الاعتماد عليها تمامًا في تعزيز حقوقهم في جميع أنحاء العالم. في الواقع، لا تغيب للأسف المواقف التي تتعرض فيها كرامة الأطفال للتهديد، وعلى هذا الأمر أن يكون مصدر قلق لجميع المؤمنين وجميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة.
تابع البابا فرنسيس يقول في بعض الأحيان، يبدو أن واقع الاعتداء وتأثيره المدمر والدائم على حياة الصغار يخنق جهود الذين يحاولون الاستجابة بحب وتفهم. إن طريق الشفاء طويل وصعب، ويتطلب رجاءً راسخًا، ورجاءً في ذاك الذي ذهب إلى الصليب وما وراء الصليب. لقد حمل يسوع القائم من الموت، في جسده الممجد، علامات صلبه، وتخبرنا هذه الجراح أن الله يخلصنا ليس من خلال "تخطي" آلامنا، وإنما من خلال آلامنا، إذ يحوِّلها بقوة محبته. إنَّ قوة شفاء روح الله لا تخدعنا، ووعد الله بحياة جديدة لا ينقص أبدًا. وبالتالي علينا فقط أن نؤمن بيسوع القائم من الموت وأن نضع حياتنا في جراح جسده القائم من الموت.
أضاف الأب الأقدس يقول إنَّ الإساءة بجميع أشكالها هي أمر غير مقبول. ويعد الاعتداء الجنسي على الأطفال أمرًا خطيرًا بشكل خاص لأنه يسيء إلى الحياة أثناء ازدهارها. فبدلاً من أن يُزهر، يُجرح الشخص الذي تعرّض للاعتداء، وأحيانًا حتى بشكل لا يمحى. لقد تلقيت مؤخرًا رسالة من أب تعرض ابنه للاعتداء، ولهذا السبب لم يكن قادرًا على مغادرة غرفته لسنوات عديدة، وحمل عواقب هذا الاعتداء يوميًا، حتى داخل العائلة. يشعر الأشخاص الذين يتعرّضون للاعتداء أحيانًا وكأنهم عالقون بين الحياة والموت. إنها حقائق لا يمكننا أن نزيلها، مهما كانت مؤلمة. تمثل شهادة الناجين جرحًا مفتوحًا في جسد المسيح الذي هو الكنيسة. وبالتالي أحثكم على أن تعملوا بجد وشجاعة لكي تُعرِّفوا الآخرين بهذه الجروح، وتبحثوا عن الذين يعانون منها، وتتعرّفوا في هؤلاء الأشخاص على شهادة مخلصنا المتألم. إنَّ الكنيسة في الواقع، تعرف الرب القائم من بين الأموات بقدر ما تتبعه كخادم متألم. هذا هو الدرب لنا جميعًا: أساقفة، ورؤساء عامون، وكهنة، وشمامسة، ومكرسون، ومعلمون، ومؤمنون علمانيون. كل عضو في الكنيسة، بحسب حالته، مدعو لكي يتحمّل مسؤولية منع الإعتداءات والعمل من أجل العدالة وتضميد الجراح.
تابع الحبر الأعظم يقول الآن أود أن أقول لكم كلمة تتعلّق بمستقبلكم. من خلال الدستور الرسولي، " Praedicate Evangelium " أنشأت رسمياً اللجنة كجزء من الكوريا الرومانية، داخل مجمع عقيدة الإيمان. قد يعتقد أحدكم أنَّ هذا الأمر قد يعرض للخطر حرية الفكر والعمل لديكم، أو ربما قد يزيل أيضًا أهمية المسائل التي تهتمون بها. هذه ليست نيتي وليست انتظاراتي. وأنا أدعوكم لكي تسهروا حتى لا يحدث هذا. لقد أُنشأَت لجنة حماية القاصرين في الدائرة التي تهتمُّ بالاعتداءات الجنسيّة التي ارتكبها أعضاء الإكليروس. في الوقت عينه، قمت بتمييز إدارتكم وموظفيكم، وستتابعون التواصل معي مباشرة من خلال رئيسكم المندوب. أرغبُ في أن تقترحوا أفضل الطرق للكنيسة لكي تحمي القاصرين والضعفاء وتساعد الناجين على الشفاء، آخذين بعين الاعتبار أن العدالة والوقاية يكملان بعضهما البعض. في الواقع، تقدم خدمتكم نظرة استباقية وتطلُّعية لأفضل الممارسات والإجراءات التي يمكن تنفيذها في الكنيسة بأسرها.
أضاف البابا فرنسيس يقول لقد تم زرع بذار مهمة بهذا المعنى في العديد من الأماكن، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي ينبغي القيام به. إنَّ الدستور الرسولي يطبع بداية جديدة. ومهمتكم هي أن توسِّعوا نطاق هذه الرسالة لكي تصبح حماية ورعاية الأشخاص الذين تعرّضوا للاعتداءات القاعدة في كل مجال من مجالات حياة الكنيسة. على تعاونكم الوثيق مع مجمع عقيدة الإيمان ومع الدوائر الفاتيكانيّة الأخرى أن يُغنيَ عملكم الذي سيغني بدوره عمل الكوريا والكنائس المحلية. كيف يمكن القيام بذلك بأكثر الطرق فعالية، أترك الأمر للجنة وللدائرة. من خلال العمل معًا، سيحققان بشكل ملموس واجب الكنيسة في حماية الذين هم في مسؤوليتها. يقوم هذا الواجب على مفهوم الشخص البشري في كرامته الطبيعية، مع إيلاء اهتمام خاص للفئات الأكثر ضعفاً. إنَّ الالتزام على مستوى الكنيسة الجامعة والكنائس الخاصة يحقِّق خطة الحماية والشفاء والعدالة، وفقًا لاختصاصات كل منها.
تابع الأب الأقدس يقول إنَّ البذار التي زُرعت قد بدأت تؤتي ثمارها. لقد أظهرت حالات الاعتداء على الأطفال من قبل بعض أعضاء الإكليروس انخفاضًا لعدة سنوات في تلك المناطق من العالم حيث تتوفر بيانات وموارد موثوقة. وأريد منكم أن تُعدوا لي سنويًا تقريرًا حول مبادرات الكنيسة لحماية القاصرين والبالغين المستضعفين. قد يكون هذا الأمر صعبًا في البداية، لكني أطلب منكم أن تبدؤوا من حيث سيكون ضروريًّا لكي نتمكن من تقديم تقرير موثوق به حول ما يحدث وما يجب تغييره، لكي تتمكن السلطات المُختصّة من أن تتصرف. سيكون هذا التقرير عاملاً للشفافية والمساءلة، وآمل أن يقدم ملاحظات واضحة حول التقدم الذي أحرزناه في هذا الالتزام. إذا لم يكن هناك تقدم، فسيستمر المؤمنون في فقدان الثقة في رعاتهم، مما سيزيد من صعوبة إعلان الإنجيل والشهادة له.
أضاف الحبر الأعظم يقول ومع ذلك، هناك أيضًا احتياجات أكثر إلحاحًا يمكن أن تساعد اللجنة في معالجتها، لاسيما فيما يتعلق بالرفاهية والرعاية الرعوية للأشخاص الذين تعرضوا للإعتداء. لقد تابعت باهتمام الأساليب التي وفرت بها اللجنة، منذ إنشائها، أماكن للاصغاء واللقاء مع الضحايا والناجين. لقد كنتم عونا كبيرًا في مهمّتي الرعوية إزاء الذين جاؤوا إليّ بسبب خبراتهم الأليمة. لذلك أحثُّكم على مساعدة المجالس الأسقفية لإنشاء مراكز خاصة حيث يمكن للأشخاص الذين تعرّضوا للاعتداءات ولعائلاتهم أن يجدوا الاستقبال والاصغاء وحيت تتمُّ مرافقتهم في مسيرة شفاء وعدالة، كما تشير الإرادة الرسوليّة "Vos estis lux mundi ". سيكون هذا الالتزام أيضًا تعبيرًا عن الطبيعة السينودسيّة للكنيسة وعن الشركة والتعاضد.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أشكركم من كلِّ قلبي على كل العمل الذي قمتم به. أُصلّي من أجلكم وأسألكم أن تصلّوا من أجلي لأن هذا العمل ليس سهلاً. شكرًا لكم! وليفض الله عليكم بركاته على الدوام.