البابا فرنسيس يذكِّر بضرورة الارتداد الإيكولوجي من أجل حماية العائلة البشرية والخليقة
بدأ اليوم ١٣ تموز يوليو ويستمر ليومين مؤتمر تنظمه الأكاديمية الحبرية للعلوم بعنوان Resilience of People and Ecosystems under Climate Stress. وإلى المشاركين في هذا المؤتمر وجه قداسة البابا فرنسيس رسالة أشار في بدايتها إلى تحول ظاهرة التغيرات المناخية إلى حالة طوارئ لم تعد على هامش المجتمع بل احتلت مكانة مركزية، مؤثرة لا فقط على النظم الصناعية والزراعية بل على العائلة البشرية بكاملها، وخاصة على الفقراء ومن يعيشون في ضواحي عالمنا الاقتصادية. وتابع الأب الأقدس متحدثا عن تحديَين نواجههما اليوم، الأول هو تقليص المخاطر المناخية من خلال تقليص الانبعاثات، ثم مساعدة الناس وتمكينهم من التكيف مع التفاقم المتزايد للتغيرات المناخية. ويدعونا هذان التحديان إلى التفكير في مقاربة متعددة الأبعاد من أجل حماية الأشخاص وكوكبنا.
ثم تحدث البابا فرنسيس عما يقدم الإيمان المسيحي من إسهام في هذا المجال، وذكَّر بما جاء في سفر التكوين حول تكليف الله للبشر بمسؤولية أن يكونوا حراسا لعطية الخليقة. وفي إنجيل القديس متى، واصل الأب الأقدس، يذكِّرنا يسوع بعناية الله بجميع مخلوقاته. وفي ضوء تعليم الكتاب المقدس هذا تصبح العناية ببيتنا المشترك، وبغض النظر عن قضية التغيرات المناخية، لا فقط تصرفا مفيدا بل واجبا أخلاقيا لجميع الرجال والنساء كأبناء الله.
وتابع البابا فرنسيس وانطلاقا مما سبق أن على كلِّ منا بالتالي أن يتساءل أي عالم نريد لأنفسنا ولمن سيأتي بعدنا. وقال قداسته إنه وللإجابة على هذا السؤال قد تحدث في الرسالة العامة "كن مسبَّحا" عن ارتداد إيكولوجي يستدعي تغيير العقلية والالتزام بالعمل من أجل مقاومة الأشخاص والأنظمة البيئية التي يعيشون فيها. ثم تحدث البابا عن ثلاثة عناصر روحية يريد أن يقدمها إلى المشاركين في المؤتمر لأخذها بعين الاعتبار، الأول هو الامتنان لله على عطية الخليقة المُحبة والسخية، الثاني هو الدعوة إلى الوعي بأننا مرتبطون في شركة شاملة أحدنا مع الآخر ومع بقية المخلوقات، ثم يأتي العنصر الثالث وهو التعامل مع المشاكل البيئية لا بشكل فردي بل في تضامن كجماعة. وعلى أساس هذه العناصر الثلاثة، قال الأب الأقدس، هناك حاجة إلى جهود شجاعة وموحَّدة وبعيدة النظر لرجال الدين والسياسة والقادة الاجتماعيين والثقافيين على الأصعدة المحلية والدولية، وذلك للتوصل إلى حلول ملموسة للمشاكل الحادة والمتزايدة التي نواجهها. وأضاف البابا أنه يفكر على سبيل المثال في الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول الأكثر تقدما اقتصاديا لتقليص انبعاثاتها وتوفير مساعدات مالية وتكنولوجية حتى تتمكن مناطق العالم الأقل رخاءً من اتباع مَثلها. تحدث قداسته أيضا عن الطاقة النظيفة والمياه الصالحة للشرب ودعم المزارعين في العالم من أجل التحول إلى زراعة مقاوِمة للتغيرات المناخية، والالتزام بمسيرات تنمية مستدامة وأسلوب حياة معتدل يهدف إلى الحفاظ على موارد العالم الطبيعية، وتوفير التعليم والرعاية الصحية لسكان العالم الأكثر فقرا وضعفا.
هذا وأراد البابا فرنسيس لفت الأنظار إلى قضيتين هامتين، الأولى هي فقدان التنوع البيولوجي، والثانية الحروب الكثيرة في مناطق مختلفة من العالم والتي تؤدي إلى تبعات ضارة لبقاء الإنسان وخيره، بما في ذلك مشاكل الأمن الغذائي وزيادة التلوث. وقال قداسته إن هذه الأزمات، إلى جانب الأزمة المناخية، تشير إلى أن كل شيء في ترابط وأن تعزيزا على المدى الطويل للخير العام لكوكبنا أمر ضروري من أجل ارتداد إيكولوجي حقيقي.
وفي ختام رسالته الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر الذي تنظمه الأكاديمية الحبرية للعلوم ذكر البابا فرنسيس أنه، وانطلاقا من الأسباب التي ذكرها، قد وافق على انضمام الكرسي الرسولي باسم دولة حاضرة الفاتيكان إلى الاتفاقية الإطارية حول التغير المناخي واتفاق باريس، مع الرجاء في أن يتذكر التاريخ إنسان مطلع القرن الحادي والعشرين كونه تحمّل بسخاء مسؤولياته الجسيمة. ثم شدد البابا فرنسيس على أن الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة حين يعملون معا يمكنهم مواجهة ما أمامنا من مشاكل وحماية العائلة البشرية وعطية الخليقة من الأوضاع المناخية القصوى، وتعزيز خيور العدالة والسلام.