البابا فرنسيس يستقبل محافظي الجمهورية الإيطاليّة
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح الاثنين في قاعة كليمينتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان مُحافظي الجمهورية الإيطاليّة وللمناسبة وجّه الأب الاقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال أحييكم بحرارة وأرحب بكم بكل سرور، بعد أيام قليلة من عيد شفيعكم، القديس أمبروسيوس: هو أيضًا، على الرغم من الظروف التاريخية المختلفة، كان مُحافظًا، قبل أن يدعوه الله بشكل غير متوقع ليصبح راعيًا لشعب الله في ميلانو. وعبارته معروفة: "أنتم تعتقدون أنَّ الأزمنة سيئة والأزمنة ثقيلة والأزمنة صعبة، عيشوا جيّدًا وسوف تحوِّلون الأزمنة" يمكن لهذه الكلمات أن تشير أيضًا إلى جوهر الخدمة التي تقدمونها: أن تضمنوا بأن يتمكن سكان الأماكن الموكلة إليكم من أن يعيشوا بشكل جيد.
تابع الأب الأقدس يقول ولكي تقوموا بهذه المهمة، أنتم تشكلون وساطة بين الدولة والإقليم، وتربطون باستمرار الكل بالأجزاء، والمحور بالضواحي، والخير العام بالاهتمام بالأفراد. إنَّ مهمّتكم تحقق على المستوى المؤسساتي تلك القدرة اليومية على توسيع الدائرة، بحيث يختبر كل مواطن، ولاسيما الذين يعيشون في مواقف صعبة، في حضور الدولة، القرب الملموس للمجتمع المدني. ولذلك أنتم تأخذون على عاتقكم تحديات مختلفة، مثل الأمن والنظام العام في منطقة معينة، والخدمات المختلفة للأشخاص والجماعات. وبالتالي أريد أن أتوقّف بإيجاز عند ثلاثة من هذه التحديات: النظام العام، والقضايا البيئية الحاسمة، وإدارة تدفقات الهجرة.
أضاف الحبر الأعظم يقول النظام العام. إنّه الجانب الأولوي والأكثر حساسية في عملكم، لأنه يتطلب، في كثير من الأحيان، في المواقف الطارئة وغير المتوقعة، الجمع بين احترام القانون والاهتمام بما هو إنساني. الشرعية والإنسانية معًا، لإعطاء الأحكام التطبيق الضروري والاقتراب في الوقت عينه من الذين يرتكبون الأخطاء مع الاحترام الواجب، والتوفيق بين حماية الضحايا والمعاملة العادلة للمذنبين. يضاف إلى ذلك المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقكم للتعامل مع المخاطر التي يتعرض لها يوميًّا أفراد الشرطة، الذين تعتنون بهم أيضًا. لكي تقوموا بمهمّتكم العامة، قد يساعدكم أن تتذكروا حكمة قديمة تشير إلى نظام الحياة الشخصية: "serva ordinim et ordo servabit te"، "حافظ على النظام والنظام سينقذك". إنه كلام حكيم، لأنّه لا يمكن للمرء أن يدير النظام العام بدون أن يكون لديه نظام شخصي وداخلي. ولكن عندما يكون هذا موجودًا، يتمُّ النظر إلى المسؤولية عن النظام العام كدعوة لخلق مناخ من التعايش المتناغم الذي يمكن من خلاله مواجهة الصعوبات وحلها. أود أن أقول إن أبوتكم هي نوع من الأبوة المؤسساتية، وإذا مارستموها بضمير وتفان، هي لن تحجم عنكم التضحيات والليالي الطوال ولكنها تستحق امتناننا.
تابع الأب الأقدس يقول النقطة الثانية القضايا البيئية الحاسمة. إن تجذّركم في المناطق يقودني إلى هذا التفكير الثاني: على الرغم من أنها لا تدخل ضمن اختصاصكم المباشر، إلا أن المشاكل الهيدروجيولوجية قد أصبحت الآن للأسف حالات طوارئ متكررة وتتعلق بالجميع؛ ترتبط بظواهر جوية ينبغي أن تكون غير اعتيادية وغير عادية، ولكنها قد أصبحت اعتيادية بسبب تغير المناخ. ونحن نشهد على ذلك في الآونة الأخيرة: فكروا، على سبيل المثال لا الحصر، في الكوارث الأخيرة في إميليا رومانيا، وتوسكانا، وصقلية. ولكن في تلك الظروف على وجه التحديد، أتيحت لنا الفرصة لكي نرى، بعيدًا عن الخلافات العقيمة، أفضل صفات الشعب الإيطالي، الذي يعرف، لاسيما في الصعوبات، كيف يتحد بطريقة مثالية، ويجمع بين اجتهاد المؤسسات والتزام المواطنين. لقد كُلِّفتم بمهمة إدارة الموارد المتاحة على أفضل وجه ممكن وتحقيق التآزر بين العاملين في القطاعين العام والخاص. وبالتالي من المهم والملح، في الحاضر والمستقبل، أن نوحِّد الجهود في الوقت المناسب وببصيرة، لكي نحافظ بيتنا المشترك.
أضاف الحبر الأعظم يقول وأخيرا تدفقات الهجرة، مع إدارتها الدقيقة على المستوى المحلي. هذه المهمة أيضًا ليست سهلة، لأنها توكل إلى رعايتكم أشخاصًا جرحى وضعفاء، غالبًا ما يكونون ضائعين ويعانون من صدمات رهيبة. إنهم وجوه وليسوا أرقامًا: أشخاص لا يمكن تصنيفهم ببساطة، وإنما ينبغي احتضانهم؛ إخوة وأخوات يحتاجون لأن يتمَّ تحريرهم من مخالب المنظمات الإجرامية، القادرة على المقامرة بمصائبهم دون أي رحمة. لقد تم تكليفكم بمهمة شاقة تتمثل في تنظيم استقبال منظم لهم في المنطقة، يقوم على أساس الادماج والتكامل البنَّاء في النسيج المحلي. لا يمكنكم أن تُتركوا وحدكم في هذه المهمة المتمثلة في دعمهم في احتياجاتهم الأساسية وفي الوقت عينه في الإصغاء إلى المخاوف والتوترات التي قد تنشأ لدى السكان، وكذلك التدخل بشكل طبيعي عند ظهور حالات الفوضى والعنف.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول في الختام، أجدد امتناني لزيارتكم وللالتزام الذي تقومون به كل يوم لصالح الخير العام. شكرًا لكم، لأنكم تعملون من أجل التعايش السلمي في المناطق المتنوعة في إيطاليا، الغنية بالتقاليد والقيم التي تتحدث عن التماسك والاستقبال والتضامن. أغتنم هذه الفرصة لأتمنى لكم أطيب التمنيات للأعياد الميلادية القادمة: ليبارككم الله الذي، بتجسده، جاء ليسكن في فسحاتنا، وليبارك السكان والأراضي التي تخدمونها.