رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي الحادي والسّتين للصّلاة من أجل الدّعوات
تحت عنوان "مدعُوُّون لكي نزرع الرجاء ونبني السلام" صدرت ظهر الثلاثاء رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي الحادي والسّتين للصّلاة من أجل الدّعوات كتب فيها الأب الأقدس يدعونا اليوم العالمي للصّلاة من أجل الدّعوات، في كلّ سنة، لكي نأخذ بعين الاعتبار العطيّة الثّمينة للدعوة التي يوجّهها الرب لكلّ فرد منّا، نحن شعبه الأمين الذي يسير، لكي نتمكّن من أن نشارك في مشروع حبِّه، ونجسِّدَ جمال الإنجيل في حالات الحياة المختلفة. إنَّ الإصغاء إلى الدعوة الإلهيّة، بعيدًا عن كونه واجبًا يُفرض علينا من الخارج، ربما باسم المثل الدينية، هو أكثر الأساليب أمانة التي نغذّي من خلالها الرّغبة في السّعادة التي نحملها في داخلنا: إنَّ حياتنا تتحقّق وتكتمل عندما نكتشف مَن نحن، وما هي صفاتنا، وفي أيّ مجال يمكننا أن نستثمرها، وما هي الدرب التي يمكننا أن نسلكها لكي نصبح علامةً وأداةً للمحبّة والضيافة والجمال والسّلام في السياقات التي نعيش فيها.
تابع البابا فرنسيس يقول وهكذا، فإن هذا اليوم هو على الدوام فرصة جميلة لكي نتذكّر بامتنان أمام الله الالتزام الأمين واليومي، والذي غالبًا ما يكون خفيًّا، للذين عانقوا دعوة تشمل حياتهم بأكملها. أفكِّر في الأمهات والآباء الذين لا ينظرون أوّلًا إلى أنفسهم ولا يتبعون تيار أسلوب حياة سطحيّة، بل يبنون حياتهم على العناية بالعلاقات، بمحبّة ومجانيّة، وينفتحون على عطيّة الحياة، ويضعون أنفسهم في خدمة الأبناء ونموِّهم. وأفكِّر في الذين يقومون بعملهم بروح التّفاني والتّعاون، وفي الذين يلتزمون، في مختلف المجالات والأساليب، من أجل بناء عالم أكثر عدالة، واقتصاد أكثر تضامنًا، وسياسة أكثر إنصافًا، ومجتمع أكثر إنسانيّة. أفكِّر في جميع الرّجال والنّساء ذوي الإرادة الصالحة الذين يبذلون حياتهم في سبيل الخير العام. أفكر في الأشخاص المكرَّسين الذين يقدّمون حياتهم للرب في صمت الصلاة كما في العمل الرّسوليّ، وأحيانًا في أماكنَ حدوديّة، ولا يدَّخرون طاقاتهم، ويحملون قدمًا مواهبهم بإبداع ويضعونها في خدمة الذين يلتقون بهم. وأفكِّر في الذين قبلوا الدّعوة إلى الكهنوت، وكرّسوا أنفسهم لإعلان الإنجيل، ويكسرون حياتهم مع الخبز الإفخارستي، من أجل الإخوة، ويزرعون الرجاء مُظهرين للجميع جمال ملكوت الله. وللشّباب، ولاسيما للذين يشعرون بأنهم بُعداء أو بعدم الثّقة تجاه الكنيسة، أريد أن أقول: اسمحوا ليسوع بأن يفتنكم، وجّهوا إليه أسئلتكم المهمّة، ومن خلال صفحات الإنجيل، اسمحوا بأن يقلقكم حضوره الذي يضعنا على الدوام في أزمة مفيدة. إنَّ يسوع يحترم حريّتنا أكثر من أي شخص آخر، فهو لا يفرض نفسه بل يقترح نفسه علينا: أفسحوا له المجال، وستجدون سعادتكم في اتّباعه، وإذا طلب منكم أيضًا، في بذل حياتكم بالكامل من أجله.
أضاف الأب الأقدس يقول إن تعدد المواهب والدّعوات، التي تعترف به الجماعة المسيحيّة وترافقه، يساعدنا لكي نفهم بشكل كامل هويتنا كمسيحيّين: كشعب الله الذي يسير على دروب العالم، يحرّكه الرّوح القدس، وإذ نندرج كحجارة حيّة في جسد المسيح، يكتشف كلّ فرد منا نفسه كعضو في عائلة كبيرة، ابنًا للآب، وأخًا أو أختًا لكلّ أقرانه. نحن لسنا جزرًا منغلقة على ذواتها، بل نحن أجزاء من الكلّ. لهذا، يحمل اليوم العالميّ للصّلاة من أجل الدّعوات طابع السّينودسيّة: كثيرة هي المواهب كثيرة، وجميعنا مدعوون لكي نُصغي إلى بعضنا البعض بشكل متبادل، ولكي نسّير معًا لكي نكتشف هذه المواهب ونميِّز ما يدعونا إليه الرّوح القدس من أجل خير الجميع.
تابع الحبر الأعظم يقول وفي هذه المرحلة التاريخية، تقودنا المسيرة المشتركة إلى سنة اليوبيل ٢٠٢٥. نحن نسير كحجاج رجاء نحو السّنة المقدّسة، لكي وفي اكتشاف دعوتنا وترابط مواهب الرّوح القدس المختلفة، يمكننا أن نصبح في العالم حملةً لحلم يسوع وشهودًا له، فنُكَوِّنَ عائلة واحدة، توحِّدُها محبّة الله، ويشدِّدها رباط المحبّة والمشاركة والأُخُوَّة. إنَّ هذا اليوم مخصَّص بشكل خاص للصّلاة لكي نطلب من الآب عطيّة الدّعوات المقدّسة من أجل بناء ملكوته: "اسأَلوا رَبَّ الحَصَاد أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه". والصّلاة، كما نعلَم، تقوم أكثر على الإصغاء إلى الله من إكثار الكلام إليه. إنَّ الرب يخاطب قلوبنا ويريد أن يجدها منفتحة وصادقة وسخيّة. وكلمته صار جسدًا في يسوع المسيح، الذي يكشف لنا مشيئة الآب وينقلها لنا. في هذه السّنة ٢٠٢٤، المكرّسة للصّلاة استعدادًا لليوبيل، نحن مدعُوُّون لكي نكتشف مجدّدًا العطيّة الثمينة للقدرة على الحوار مع الله، من القلب إلى القلب، لنصبح هكذا حجّاج رجاء، لأنّ "الصّلاة هي أوّل قوّة للرّجاء. أنت تصلّي والرّجاء ينمو، ويسير قدمًا. لا بل يمكنني أن أقول إنّ الصّلاة تفتح الباب للرّجاء. إنَّ الرّجاء موجود، ولكنني بصلاتي أفتح له الباب".
أضاف البابا فرنسيس يقول ولكن ماذا يعني أن نكون حجاجًّا؟ إنَّ الذي يبدأ حجًّا يبحث أوّلًا عن هدف واضح، ويحمله دائمًا في قلبه وعقله. ولكن في الوقت عينه، لكي يبلغ ذلك الهدف، هو يحتاج لأن يركّز على كل خطوة، ولذلك عليه أن يسافر حفيف الحمل، ويتجرّد من الأثقال غير الضرورية، ويحمل معه الأساسي فقط ويجاهد كلَّ يوم لكي لا يعيق التعب والخوف والشك والظلمات المسيرة التي انطلق فيها. وهكذا أن نكون حجاجًا يعني أن ننطلق مجدّدًا كلّ يوم، ونبدأ مجدّدًا على الدوام، ونجد مجدّدًا الحماسة، والقوّة لكي نسير مختلف مراحل المسيرة التي على الرّغم من التّعب والصّعوبات، تفتح أمامنا على الدوام آفاقًا جديدة ومجهولة.
تابع الأب الأقدس يقول هذا هو معنى الحجّ المسيحيّ: نحن في مسيرة لكي نكتشف محبّة الله، وفي الوقت عينه، لكي نكتشف ذواتنا، من خلال رحلة داخليّة، تحفِّزُها على الدوام علاقات كثيرة. وبالتالي نحن حجّاج لأنّنا مدعُوُّون: مدعُوُّون إلى محبّة الله ومحبّة بعضنا البعض. وهكذا لا يكون حجنا على هذه الأرض رحلة بدون معنى أو طواف بلا هدف؛ بل على العكس، إذ نجيب كلَّ يوم على دعوتنا، نحن نحاول أن نسير نحو عالم جديد، نعيش فيه بسلام وعدالة ومحبّة. نحن حجّاج رجاء لأنّنا نتوق نحو مستقبل أفضل ونلتزم ببنائه خلال المسيرة. هذا هو، في النهاية، هدف كلّ دعوة: أن نصبح رجال ونساء رجاء. كأفراد وكجماعات، في تعدّد المواهب والخدمات، نحن مدعُوُّون جميعًا لكي نجسِّد رجاء الإنجيل في عالم مطبوع بالتحدِّيات التاريخيّة: التّهديد بحرب عالميّة ثالثة تُشنُّ على أجزاء، حشود المهاجرين الذين يهربون من أرضهم بحثًا عن مستقبل أفضل، التزايد المستمرِّ في عدد الفقراء، تعريض سلامة كوكبنا لخطر لا رجعة فيه. وتضاف إلى هذا كلّه الصّعوبات التي نواجهها يوميًّا، والتي قد تدفعنا أحيانًا إلى الاستسلام أو الانهزاميّة.
أضاف الحبر الأعظم يقول لذلك من المهمّ في زمننا هذا بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين أن نعزز نظرة مُفعمة بالرّجاء، لكي نتمكّن من العمل بشكل مثمر، ونجيب على الدعوة التي أوكِلت إلينا، في خدمة ملكوت الله، ملكوت المحبّة، والعدالة، والسّلام. هذا الرّجاء – يقول القدّيس بولس – "لا يُخَيِّبُ"، لأنّه الوعد الذي قطعه لنا الرّبّ يسوع بأن يبقى معنا على الدوام وأن يُشرِكَنا في عمل الفداء الذي يريد أن يحقّقه في قلب كلّ شخص وفي "قلب" الخليقة. وهذا الرّجاء يجد قوته الدّافعة في قيامة المسيح، التي "تحتوي على قوّة حياة اخترقت العالم. وحيث يبدو أنّ كلّ شيء قد مات، تعود وتظهر براعم القيامة في كلّ مكان. إنّها قوّة لا مثيل لها. صحيح أنّه في كثير من الأحيان قد يبدو لنا أنّ الله غير موجود: فنرى في كلِّ مكان من حولنا استمرار الظّلم والشّرّ واللامبالاة والقسوة. ولكن من المؤكّد أيضًا أنّه في وسط الظّلام يبدأ شيء جديد بالإزهار وسيثمر عاجلًا أم آجلًا. كذلك يؤكِّد بولس الرّسول أننا "في الرَّجاءِ نِلْنا الخَلاص". إنّ الفداء الذي تحقق في الفصح يعطي الرّجاء، رجاء أكيد وموثوق، يمكننا أن نواجه به تحديّات الحاضر. أن نكون حجَّاجَ رجاء وبناة سلام يعني إذًا يعني أن نؤسّس حياتنا على صخرة قيامة المسيح، عالمين أنّ كلّ التزام من التزاماتنا، في الدّعوة التي عانقناها ونسير بها قدمًا، ليس عبثًا. وعلى الرّغم من الإخفاقات والانتكاسات، ينمو الخير الذي نزرعه بصمت، ولا شيء يمكنه أن يفصلنا عن الهدف النّهائي: اللقاء مع المسيح وفرح العيش في الأخُوّة بين بعضنا البعض للأبد. ولذلك علينا أن نستبق هذه الدّعوة كلّ يوم: إنّ علاقة المحبّة مع الله ومع الإخوة تبدأ منذ الآن بتحقيق حلم الله، حلم الوِحدة والسّلام والأخوّة. لا ينبغي لأحد أن يشعر بأنّه مُستَبعَدٌ من هذه الدّعوة! كلّ واحد منّا، في صغره، مهما كان وضع حياته، يمكنه أن يكون، بمساعدة الرّوح القدس، زارع رجاء وسلام.
وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول من أجل هذا كلّ أقول مرّة أخرى، كما في اليوم العالميّ للشّباب في لشبونة: "استيقظوا! إنهضوا!". لنستيقظ من النّوم، ولنخرج من اللامبالاة، ولنكسر قضبان السّجن الذي نحبس فيه أنفسنا أحيانًا، لكي يتمكّن كلّ واحد منّا من أن يكتشف دعوته في الكنيسة وفي العالم، ويصبح حاج رجاء وصانع سلام! لنتحلّى بالشغف تجاه الحياة ولنلتزم بالعناية المحبّة للذين هم بقربنا وللبيئة التي نعيش فيها. أكرّر لكم: تحلّوا بالشجاعة وغامروا! لقد كان الأب أوريستي بنزي رسول المحبّة الذي لا يكلّ، والذي كان يقف دائمًا إلى جانب الأخيرين والعزَّل، يقول: لا يوجد فقير ليس لديه شيء يعطيه، ولا يوجد غنيٌّ لا يحتاج لمن يعطيه شيئًا. لننهض إذًا، وننطلق في مسيرة كحجاج رجاء. لأنّه، كما فعلت مريم مع القدّيسة أليصابات، يمكننا نحن أيضًا أن نحمل بشارة فرح، ونولِّد حياة جديدة، ونكون صانعيّ أخُوَّة وسلام.