البابا: إن طلب المغفرة يعيد فتح الحوار ويظهر الرغبة في إعادة تأسيس الرباط في المحبة الأخوية
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في القصر الرسولي بالفاتيكان للمشاركين في مؤتمر "إصلاح ما لا يمكن إصلاحه" في الذكرى الثلاثمائة والخمسين لظهورات يسوع في باراي لو مونيال وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال التعويض هو مفهوم نجده غالبًا في الكتب المقدسة. وفي العهد القديم يأخذ الأمر بعدًا اجتماعيًا للتعويض عن الشر الذي تمَّ ارتكابه. هذا هو حال شريعة موسى التي تنص على إعادة ما تمّت سرقته أو تعويض الضرر الذي تمَّ التسبب به. لقد كان فعل عدالة يهدف إلى حماية الحياة الاجتماعية. أما في العهد الجديد، فيأخذ التعويض شكل عملية روحية، في إطار الفداء الذي حقّقه المسيح. ويتجلى التعويض بالكامل في ذبيحة الصليب. والحداثة هنا هي أنه يكشف رحمة الرب تجاه الخاطئ. فالتعويض يساهم إذن في مصالحة الناس فيما بينهم، وإنما أيضًا في المصالحة مع الله، لأن الشر الذي يتمُّ ارتكابه ضد القريب هو أيضًا إساءة إلى الله. كما يقول الحكيم في سفر يشوع ابن سيراخ: "أليست دموع الارملة تسيل على خدود الله". أيها الأصدقاء الأعزاء، كم من الدموع لا تزال تسيل على خدود الله، بينما يشهد عالمنا الكثير من الإساءات ضد كرامة الإنسان، حتى داخل شعب الله!
تابع البابا فرنسيس يقول يجمع عنوان مؤتمركم بين عبارتين متعارضتين: "إصلاح ما لا يمكن إصلاحه". وبهذه الطريقة يدعونا لكي نرجو في إمكانية شفاء كل جرح، حتى لو كان عميقًا. قد يبدو الإصلاح الكامل مستحيلًا في بعض الأحيان، عندما نفقد بشكل كامل خيورًا أو أحباء أو عندما تصبح بعض المواقف غير قابلة للإصلاح. لكن نية التعويض والقيام بذلك بشكل ملموس هو أمر ضروري لعملية المصالحة وعودة السلام إلى القلب. ولكي يكون مسيحيًا، ويلمس قلب الشخص المتضرر، بدون أن يكون مجرّد فعل عدالة تبادلية، يتطلب التعويض موقفين مُلزِمَين: الاعتراف بالذنب وطلب المغفرة.
أضاف الأب الأقدس يقول أولاً الاعتراف بالذنب. إنَّ أي تعويض، إنساني أو روحي، يبدأ باعتراف المرء بخطيئته. إنَّ اتهام النفس هو جزء من الحكمة المسيحية، وهذا الأمر يرضي الرب، لأن الرب يقبل القلب المنسحق. ومن هذا الاعتراف الصادق بالضرر الذي ألحقناه بالأخ، ومن الشعور العميق والصادق بأن الحب قد جرح، تولد الرغبة في التعويض. ثانيًا طلب المغفرة. إنه الاعتراف بالشر الذي تمَّ ارتكابه، على مثال الابن الضال الذي يقول لأبيه: "إني خطئت إلى السماء وإليك". إن طلب المغفرة يعيد فتح الحوار ويظهر الرغبة في إعادة تأسيس الرباط في المحبة الأخوية. والتعويض – أو حتى بداية التعويض أو مجرد الرغبة في التعويض – يضمن صحة طلب المغفرة، ويظهر عمقه، وصدقه، ويلمس قلب الأخ، ويعزيه، ويبعث فيه قبول المغفرة المطلوبة. لذا، إذا لم يكن من الممكن إصلاح ما لا يمكن إصلاحه بالكامل، فمن الممكن دائمًا أن يولد الحب مجدّدًا ويجعل الجرح محتملًا.
تابع الحبر الأعظم يقول لقد طلب يسوع من القديسة مارغريت مريم أفعال تعويض عن الإهانات التي سببتها خطايا البشر. وإذا كانت هذه الأفعال تعزّي قلبه، فهذا يعني أن التعويض يمكنه أن يعزّي قلب كل شخص جريح أيضاً. أتمنى أن تجدد أعمال مؤتمركم وتُعمق معنى هذه الممارسة الجميلة لتعويض قلب يسوع الأقدس، وهي ممارسة قد تم نسيانها اليوم إلى حد ما أو يُحكم عليها خطأً بأنها قد أصبحت قديمة. ويمكنها أيضًا أن تساهم في تقييم مكانتهم الصحيحة في مسيرة التوبة التي يقوم بها كل معمد في الكنيسة.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أصلي لكي يولِّد يوبيل القلب الأقدس في العديد من الحجاج محبة امتنان أكبر تجاه يسوع، ومودة أكبر؛ ولكي يكون مزار باراي لو مونيال على الدوام مكان تعزية ورحمة لكل إنسان يبحث عن السلام الداخلي. أبارككم. وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي.