البابا فرنسيس: في كل عطيّة نقدمها لإخوتنا هناك انعكاس لمحبة الله
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الاثنين في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في المجامع العامة الراهبات الدومينيكانيات مرسلات القديس سكستوس، راهبات جمعية قلب يسوع الأقدس، راهبات تقدمة مريم الكلية القداسة إلى الهيكل وجمعية الدعوات الإلهية وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال مع هذا المجمع العام، لديكم النعمة والمسؤولية لكي تعيشوا وقفة أساسية ليس فقط لحياة معاهدكم، وإنما للكنيسة بأسرها: وقفة تضعون فيها أنفسكم في إصغاء للروح القدس، لكي تستمرّوا في جعل الإلهامات المواهبيّة التي أعطيت يومًا لمؤسسيكم تُزهر. لنتوقف إذن للحظة لكي نتأمل معًا في ثلاثة أبعاد وجودية ورسولية مشتركة بين وقائعكم المختلفة: التمييز والتنشئة والمحبة.
تابع البابا فرنسيس يقول أولاً التمييز. إنها "المادة الخاصة" لموهبة آباء جمعية الدعوات الإلهية، الحاضرين هنا، ولكنها تتعلق بمعنى أوسع بكل رهبانيّة وكل شخص. يعد التمييز جزءًا من الحياة، سواء في اللحظات الرسمية لاتخاذ القرارات الكبيرة أو في اللحظات التي يتم فيها اتخاذ القرارات اليومية الصغيرة. إنه مرتبط بكوننا أحرارًا، وبالتالي هو يعبر عن الدعوة البشريّة المشتركة والهوية الخاصة والفريدة لكل واحد منا ويحققها يومًا بعد يوم. إنه بالتأكيد عمل متعب، من الإصغاء للرب، ولأنفسنا وللآخرين، ومن الصلاة، والتأمل، والانتظار الصبور، ومن ثم من الشجاعة والتضحية لكي نجعل ملموسًا وعمليًا، ما يقترحه الله على قلوبنا بدون أن يفرض علينا إرادته أبدًا. ومع ذلك، هو في الوقت عينه خبرة رائعة للسعادة، لأن "اتخاذ قرار جميل، وقرار صحيح" يمنح السعادة. وعالمنا هو بحاجة ماسة لأن يكتشف مجدّدًا طعم اتخاذ القرار وجماله، ولاسيما فيما يتعلق بالاختيارات النهائية، التي تحدد نقطة تحول حاسمة في الحياة، مثل خيارات الدعوة. ولذلك هو يحتاج إلى آباء وأمهات يساعدون، الشباب بشكل خاص، لكي يفهموا أن كوننا أحراراً لا يعني أن نبقى إلى الأبد عند مفترق طرق، ونقوم "بوقفات صغيرة" يميناً ويساراً، بدون أن نسلك أي طريق فعلياً. أن نكون أحرارًا يعني أن نراهن على مسيرة، بذكاء وحكمة بالطبع، وإنما أيضًا بجرأة وروح تخلّي، لكي ننمو ونتقدم في ديناميكية العطيّة، ونكون سعداء ونحبَّ بحسب مُخطّط الله.
وهكذا، أضاف الأب الأقدس يقول نصل إلى النقطة الثانية: التنشئة. وهذه أيضًا سمة توحدكم بطرق مختلفة. أولاً، لأن الحياة الرهبانية، في حد ذاتها، هي مسيرة نمو في القداسة تعانق الحياة بأسرها، وفيها يصوغ الرب باستمرار قلوب الذين اختارهم. وفي هذا الصدد، أوصيكم جميعًا بالمواظبة على الصلاة، الشخصية والجماعية، والحياة الأسرارية، والعبادة، والاهتمام بكل تلك اللحظات التي تجعل العلاقة بين المكرسة والمكرس حية ويوميّة مع المسيح العريس. في الواقع، وحدهم الذين يعترفون أنهم بتواضع وباستمرار "في تنشئة" يمكنهم أن يأملوا في أن يكونوا "مُنشِّئين" صالحين للآخرين، والتربية، على أي مستوى، هي على الدوام أولاً وقبل كل شيء تقاسم مسارات ونقل خبرات، في بحث مفرح عن الحقيقة، "التي تجعل قلب كل إنسان مضطربًا إلى أن يجد نور الله في الجميع ويشاركهم فيه". وبهذا المعنى أيضًا، فإن رسالتكم، اليوم، نبوية بالتأكيد، في سياق اجتماعي وثقافي مطبوع بالتداول المذهل والمستمر للمعلومات، ولكنه من ناحية أخرى، فقير بشكل مأساوي بالعلاقات الإنسانية. إنّ عصرنا بحاجة ماسة لمربّين يعرفون كيف يجعلون من أنفسهم بمحبة رفاق مسيرة للأشخاص الموكلين إليهم.
وهذا الأمر، تابع الحبر الأعظم يقودنا إلى النقطة الثالثة: المحبّة. لقد ولدت رهبانياتكم الأربع لدعم وتربية الشباب الفقراء الذين، بدون المساعدة اللازمة، لم يكن بإمكانهم أن يحصلوا على التعليم المناسب لمستقبلهم، أو حتى أن يجيبوا على دعوتهم. وقد رأت فيهم القديسة مادالينا صوفيا بارات، والقديس جوستينو ماريا روسوليلو، والمكرمة ماريا أنطونيا لاليا والأم كاترينا موليناري، علامة من الله على رسالتهم. وبالطريقة عينها، سيكون من الجيد لكم أنتم أيضًا، ولاسيما في أيام التمييز الجماعي هذه، أن تضعوا على الدوام وجوه الفقراء نصب أعينكم، وتسهروا لكي يكون حيّاً ونابضاً في جمعياتكم اندفاع المجانية والمحبة المتجرِّدة، الذي بفضله بدأ حضوركم في الكنيسة. إنَّ يسوع يحدِّثنا في الإخوة والأخوات الأشدَّ عوزًا، وفي كل عطيّة نقدمها لهم، هناك انعكاس لمحبة الله. هنا يكمن النور لمسيرتنا والترياق الفعال لكي نتغلّب فينا ومن حولنا على ثقافة الإقصاء التي تأتي من الفردية والتشرذم والتي تهيمن للأسف على عصرنا. وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، شكرًا لكم على كلِّ ما تفعلونه! واصلوا مهمتكم بثقة، ولا تنسوا من فضلكم أن تصلوا من أجلي.