خطاب البابا إلى السلطات المدنية والسلك الدبلوماسي والمجتمع المدني في بابوا غينيا الجديدة
وجه البابا للحاضرين خطاباً مسهباً استهله معرباً عن سعادته الكبيرة لهذه الزيارة متمنياً للجميع السلام والرخاء. ولفت إلى أن بابوا غينيا الجديدة هي عبارة عن أرخبيل يتكون من مئات الجزر، وتوجد فيه ثمانمائة لغة مختلفة، ما يعني ثراءً كبيراً، معتبرا أن هذا التنوع يشكل تحدياً بالنسبة للروح القدس الذي يصنع الانسجام والتناغم وسط الاختلافات.
أضاف فرنسيس أن البلاد غنية أيضا، بالإضافة إلى الجزر واللغات، بموارد الأرض والمياه، مشيرا إلى أن الله يوجّه هذه الخيرات كلها إلى المجتمع بأكمله، وبالتالي لا بد أن تؤخذ في عين الاعتبار احتياجات السكان المحليين، من أجل تحسين الظروف المعيشية، لدى توزيع العائدات واستخدام القوى العاملة.
بعدها شدد البابا على أن هذا الثراء البيئي والثقافي الذي تتمتع به بابوا غينيا الجديدة تترتب عليه مسؤوليات كبيرة، لأنه يُلزم السلطات والمواطنين في استثمار الموارد الطبيعية والبشرية بطريقة تقود إلى التنمية المستدامة والعادلة، وتضمن تعزيز الرفاهية للجميع دون استثناء أي أحد، من خلال برامج عملية قابلة للتنفيذ، وفي إطار التعاون الدولي والاحترام المتبادل، وضمن اتفاقات تعود بالفائدة على الجميع. واعتبر الحبر الأعظم أن الشرط الأساسي لبلوغ هذه الأهداف هو استقرار المؤسسات، وتعزيز دورها وتحقيق إجماع حول الخيارات الأساسية، لأن هذا يقود إلى التنمية المتكاملة والمتضامنة. هذا بالإضافة للحاجة إلى رؤية بعيدة المدى ومناخ من التعاون مع الجميع، مع احترام التمييز بين الأدوار واختلاف الآراء.
لم يخل خطاب البابا من الحديث عن ضرورة وضع حد لأعمال العنف القبلية والتي تسببت بسقوط العديد من الضحايا، ولا تتيح العيش بسلام وتعيق التنمية. وقال: أناشدُ الجميع أن يتحلوا بروح المسؤولية فيوقفوا دوامة العنف، ويسلكوا بحزم الطريق الذي يؤدي إلى تعاون مثمر لصالح جميع أبناء البلاد. وفي الجو الذي تولده هذه المواقف، يمكن التوصل أيضا إلى حل نهائي لوضع جزيرة بوغانفيل وتجنب العودة إلى النزاعات القديمة.
هذا ثم لفت البابا إلى ضرورة تحسين البنى التحتية وتلبية الاحتياجات الصحية والتربوية للسكان، وتوفير فرص العمل من خلال ترسيخ التوافق على أسس المجتمع المدني واستعداد الجميع للتضحية في سبيل المصلحة العامة. وأضاف أن الإنسان يحتاج أيضا إلى أمل كبير في القلب، يجعله يعيش حياة مقبولة، ويمنحه ميلا وشجاعة للقيام بمشاريع على نطاق واسع تسمح له برفع نظره إلى الأعلى ونحو آفاق واسعة. وأشار إلى أن وفرة الخيرات المادية لا تكفي لقيام مجتمع حيوي ومطمئن، مجتهد وفرح، بل تجعله ينطوي على نفسه، معتبراً أن جفاف القلب يُفقده البوصلة ويُنسيه ميزان القيم الصحيح، وصولا إلى حد فقدان الأمل بالمستقبل ومعنى نقل الحياة.
من هذا المنطلق شدد البابا على ضرورة توجيه الروح نحو واقع أسمى، لافتا إلى أن قيم الروح تؤثر على بناء المدينة الأرضية وكل الحقائق الزمنية، فهي تبث الروح وتلهم وتقوي كل مشروع، وأضاف أن الشعب الذي يصلي له مستقبل، وهو يستمد القوة والرجاء من السماء.
وتوجه الحبر الأعظم بعدها إلى المسيحيين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان بابوا غينيا الجديدة، وقال لهم: أتمنى بشدة ألا يقتصر الإيمان على طقوس ووصايا، بل أن يكون محبة ليسوع المسيح واتباعا له، وليكن إيمانكم ثقافة حية تُلهم العقول والأعمال وتصير منارة تنير الدرب. بهذه الطريقة، سيكون الإيمان أيضا قادرا على مساعدة المجتمع كله على النمو وعلىى إيجاد الحلول المناسبة والفعالة لتحدياته الكبيرة.
تابع البابا كلمته إلى السلطات المدنية مؤكدا أنه جاء كي يشجع المؤمنين الكاثوليك على مواصلة مسيرتهم وكي يثبتهم في الإيمان. وقال: جئتُ لأفرح معكم بالتقدم الذي تحرزونه، ولأشاركهم الصعاب التي تواجهونها. كما أشاد الحبر الأعظم بالأعمال الخيرية التي تقوم بها الجماعات المسيحية في بابوا غينيا الجديدة حاثاً إياها على التعاون دائما مع المؤسسات الرسمية ومع جميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، بدءا من الأخوة المنتمين إلى الطوائف المسيحية والديانات الأخرى، من أجل الخير العام لجميع المواطنين.
بعدها توقف الحبر الأعظم عند الشهادة التي قدمها الطوباوي بيتر توروت، والتي تعلمنا أن نضع أنفسنا بسخاء في خدمة الآخرين لضمان تطور المجتمع في الاستقامة والعدالة والانسجام والتضامن، كما قال البابا يوحنا بولس الثاني في قداس التطويب الذي ترأسه في بوت مورسبي عام ١٩٩٥. وتمنى فرنسيس أن يستمد المؤمنون القوة والرجاء من مثال هذا الطوباوي وجميع المرسلين الذين بشروا بالإنجيل في تلك البقاع. وسأل ميخائيل رئيس الملائكة، شفيع بابوا غينيا الجديدة، أن يسهر على أبناء البلاد، ويدفع عنهم كل خطر، ويحمي السلطات والشعب كله.
في ختام كلمته إلى الممثلين عن السلطات المدنية في بابوا غينيا الجديدة قال الحبر الأعظم إنه يبدأ زيارته هذه بفرح وشكر الجميع لأنهم فتحوا له أبواب بلدهم، البعيد جدا عن روما لكنه قريب جدا من قلب الكنيسة الكاثوليكية، لأن في قلب الكنيسة – تابع البابا فرنسيس قائلا – توجد محبة يسوع المسيح الذي عانق جميع البشر على الصليب. وإنجيله هو لجميع الشعوب، وهو غير مرتبط بأي سلطة أرضية، بل هو حر ليُخصب كل ثقافة ويجعل ملكوت الله ينمو في العالم، وأمل أن يجد هذا الملكوت ترحيبا كاملا في تلك البقاع، لكي يعيش جميع السكان بتقاليدهم المتنوعة في وئام ويكونوا للعالم علامة للأخوّة.