البابا يستقبل المعرفين في بازيليك القديس بطرس ويحدثهم عن أهمية التواضع والإصغاء والرحمة
استهل البابا خطابه مرحبا بضيوفه ومعربا عن سروره للقائهم وخص بالذكر الأب فينشنسو كوستاتي. بعدها لفت إلى أن البازيليك الفاتيكانية يزورها كل يوم أكثر من أربعين ألف شخص: يأتي الكثير منهم من بعيد ويواجهون رحلات ونفقات وطوابير طويلة للوصول إلى هذا المكان. وأكد أن من بين هؤلاء كثيرين يأتون للصلاة عند قبر أول الرسل، من أجل تثبيت إيمانهم وشركتهم مع الكنيسة، وكي يوكلوا إلى الرب نوايا عزيزة على قلوبهم، أو لحل النذور. وهناك أيضا أشخاص آخرون، ينتمون إلى ديانات مختلفة، يدخلون بازيليك القديس بطرس "كسياح"، يجذبهم جمال وتاريخ وسحر الفن. ولكن يوجد لدى كل شخص، إذا كان مدركاً لذلك أم لا، بحث عظيم واحد: بحث عن الله، الجمال والطيبة الأبدية، وتعيش الرغبة في البحث عنه وتنبض في قلوب جميع الرجال والنساء الموجودين في هذا العالم. تابع الحبر الأعظم كلمته إلى المعرفين مشددا على أهمية الدور الذي يلعبه ضيوفه على هذا الصعيد، لاسيما بالنسبة للمؤمنين والحجاج، لأنه يسمح لهؤلاء بمقابلة رب الرحمة في سر المصالحة. وهذا الدور مهم أيضا بالنسبة لجميع الأشخاص الآخرين، لأنه يشهد لهم أن الكنيسة ترحب بهم أولا وقبل كل شيء كجماعة من المخلصين، من المغفور لهم، الذين يؤمنون ويرجون ويحبون في النور وبقوة حنان الله. وقال البابا: دعونا نتوقف للحظة للتفكير في الخدمة التي تقومون بها، مع التأكيد على ثلاثة جوانب مميزة: التواضع والإصغاء والرحمة. في سياق حديثه عن التواضع لفت البابا فرنسيس إلى أن الرسول بطرس يعملنا هذا التواضع، إنه التلميذ الذي غُفرت خطاياه والذي وصل إلى إراقة دمه في الاستشهاد بعد البكاء بتواضع على خطاياه. يذكرنا بطرس بأن كل رسول وكل كاهن معرف يمنح سر التوبة، يحمل كنز النعمة الذي يوزعه في وعاء فخاري، "حتى يبدو أن هذه القوة الاستثنائية ملك لله، ولا تأتي منا". لذلك – مضى البابا إلى القول – لكي نكون معرّفين صالحين، دعونا "نكون أول التائبين الذين يبحثون عن المغفرة"، وننشر تحت قبة البازيليك الفاتيكانية عطر صلاة متواضعة، تتوسل الرحمة. بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن البعد الثاني ألا وهو الإصغاء للجميع، وخاصة للشباب والأطفال. وقال إن هذه هي شهادة القديس بطرس، الراعي الذي يسير بين قطيعه وينمو في الإصغاء إلى الروح من خلال صوت إخوته وأخواته. وأوضح البابا أن هذا الإصغاء لا يقتصر فقط على ما يقوله الناس، إذ يتعلق قبل كل شيء بقبول كلماتهم كهدية من الله من أجل ارتدادهم، مثل الطين في يد الخزاف. وذكّر الحبر الأعظم بضرورة ألا ننسى أبدا أنه "من خلال الإصغاء حقا إلى أخينا ضمن سر الاعتراف، فإننا نصغي إلى يسوع نفسه، فقيرا ومتواضعا ونصبح مستمعين للكلمة "، وبهذه الطريقة فقط يمكننا أن نأمل في تقديم أكبر خدمة لهذا الشخص، ألا وهي وضعه "على اتصال مع يسوع". هذا وطلب البابا من الحاضرين أن يستمعوا إلى الأشخاص محذراً من مغبة أن يقتصر الكلام على طرحهم للأسئلة وقال إن دورهم ليس أن يكونوا أطباء نفسيين بل أن يصغوا إلى الشخص التائب بوداعة. هذا ثم وصل البابا إلى العبارة الثالثة والأخيرة وهي الرحمة، وقال لضيوفه إنه بصفتهم كهنة يمنحون مغفرة الله، من الأهمية بمكان أن يكونوا "رجال رحمة"، سعداء وكرماء ومستعدين للفهم والمواساة، بواسطة الكلمات والمواقف. وأضاف أن القديس بطرس يُعتبر مثالا لنا، من خلال خطاباته المشبعة بالمغفرة. وأكد فرنسيس أن الكاهن المعرف – الذي هو بمثابة وعاء من الطين – لديه دواء واحد فقط يصبُه على جروح إخوته، وهذا الدواء هو رحمة الله. وهذا ما علمه القديس ليوبولد مانديش، الذي كان يقول: "لماذا يجب علينا أن نذلّ الأشخاص الذين يأتون للسجود عند أقدامنا؟ ألم يُذلّوا بما فيه الكفاية؟ هل أذل يسوع العشار والزانية والمجدلية"؟ وأضاف هذا القديس قائلا: "إذا وبخني الرب على ما أفعله، يمكنني أن أقول له: لقد أعطيتني هذا المثال السيئ، بموتك على الصليب من أجل الأشخاص، تدفعك محبتُك الإلهية". ليعطنا الرب نعمة أن نكرر هذه الكلمات نفسها. في ختام كلمته إلى المعرفين في بازيليك القديس بطرس شكر البابا ضيوفه على الخدمة التي يقومون بها، وعلى جهدهم وصبرهم وإخلاصهم. وأوضح أن معرّفه توفي لبضعة أشهر خلت وهو سيتوجه إلى المعرفين في بازيليك القديس بطرس وقال للحاضرين: شكراً لكونكم، في قلب الكنيسة، خداماً لحضور الله - المحبة في الأسرار. استمروا في خدمتكم بهذه الطريقة: في التواضع، والإصغاء والرحمة. هذا ثم طلب من الجميع أن يصلوا من أجله. |