البابا فرنسيس: اليوبيل فرصة نعمة للقاء الله والقريب
كتب البابا فرنسيس في تاريخ شعب إسرائيل، كان صدى صوت قرن الكبش المسمى "Yobel" - الذي يشتقُّ منه مصطلح "يوبيل" - يتردد في كل قرية، معلنًا بداية سنة خاصة، وفقًا لأحكام شريعة موسى. لقد كانت سنة اليوبيل زمن افتداء وولادة جديد، يتخلله خيارات معينة ذات طابع رمزي قوي، لا تزال آنية حتى في يومنا هذا: الراحة من زراعة الأرض، لكي نتذكر بأن لا أحد يمتلكها ويمكنه استغلالها، لأنها لله وقد وهبها لنا كعطيّة لكي نحرسها؛ الإعفاء من الديون، الذي كان يهدف إلى إعادة إحلال دوري، أي كل خمسين سنة، لعدالة اجتماعية ضد عدم المساواة؛ تحرير العبيد، من أجل تعزيز حلم جماعة بشرية خالية من التفرقة والتمييز، أشبه بشعب الخروج الذي أراده الله كعائلة واحدة في مسيرة.
في بداية كرازته، في مجمع الناصرة، أخذ يسوع هذا الأفق اليهودي لليوبيل وأعطاه معنى جديدًا ونهائيًا: هو نفسه وجه الله الذي نزل إلى الأرض لكي يفتدي المساكين ويحرر الأسرى، وقد جاء ليظهر شفقة الآب تجاه الذين جُرحوا وسقطوا وفقدوا الرجاء. في الواقع، يأتي يسوع لكي يحرّر من جميع أشكال العبودية ويفتح عيون العميان ويطلق سراح المظلومين. في برنامج مسيحاني كهذا، يتسع اليوبيل لكي يشمل جميع أشكال الظلم والاضطهاد في حياة الإنسان، فيصبح هكذا فرصة نعمة لتحرير القابعين في سجن الخطيئة والاستسلام واليأس، وللشفاء من جميع أشكال العمى الداخلي الذي لا يسمح لنا بأن نلتقي بالله ونرى القريب، ولإيقاظ فرح اللقاء مع الرب من جديد، فنتمكن هكذا من استئناف مسيرة الحياة تحت شعار الرجاء.
بهذه الروح، ومنذ عام ١٣٠٠ مع مرسوم البابا بونيفاسيوس الثامن، جاء ملايين الحجاج إلى روما، معبرين بحجهم الخارجي عن رغبتهم في مسيرة تجديد داخلي، لكي وعلى الرغم من المصاعب والمتاعب، يمسك رجاء الإنجيل حياتهم اليومية مجدّدًا ويعضدها. في الواقع لقد كانوا جميعًا يحملون في قلوبهم عطشًا لا يرتوي للسعادة والحياة الكاملة، وأمام عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل، كانوا يغذّون الرجاء بعدم الاستسلام للشك والريبة والموت. والمسيح، رجاؤنا، يأتي للقاء هذا التوق الذي يقيم في داخلنا، ويدعونا لكي نكتشف مجدّدًا فرح اللقاء به الذي يحوّل الحياة ويجددها. لذلك "يظهر بوضوح أن الحياة المسيحية هي مسيرة تحتاج أيضًا إلى لحظات قوية لكي تغذّي وتقوّي الرجاء، الرفيق الذي لا بديل له والذي يعطينا لمحة عن الهدف: اللقاء مع الرب يسوع". هذه اللحظة القوية يمثلها اليوبيل. والباب المقدس الذي سيفتح، في ليلة الميلاد، هو الدعوة للقيام بعبور، فصح تجديد، للدخول في تلك الحياة الجديدة التي يقدمها لنا اللقاء بالمسيح.
وستستقبل مدينة روما مرة أخرى العديد من الحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم، كما حدث في القرن الثالث عشر ميلادي مع اليوبيل الأول للكنيسة الكاثوليكية. في ذلك الوقت، جاء العديد من الحجاج القادمين من الشمال، وكما أكّد دانتي أليغييري، لدى وصولهم إلى مونتي ماريو، تمكنوا من أن يُعجبوا بروعة المدينة الخالدة التي كانوا يتوقون إليها؛ أما الآخرون القادمون من الجنوب، فقد أبحروا في قوارب صغيرة عبر نهر التيبر. لقد كانت الرغبة في الوصول إلى الباب المقدس وعبور عتبته كبيرة لدى الجميع. وبالطريقة عينها، في كل مناسبة يوبيلية كانت خطوات الحجاج تلتقي مع جمال مدينة روما.
في ضوء اليوبيل كان العمل كبير مع تدابير استثنائية من أجل تحسين الطرقات وزيادة فاعلية وسائل النقل العام وترميم المعالم الأثرية وتحديث المدينة بشكل عام؛ ولكن، إذا كان من المهم أن تكون المدينة جاهزة من وجهة نظر الفسحة الحضرية، لا يجب أن ننسى أن اليوبيل يعطي روما دعوة خاصة: أن تكون فسحة استقبال مضيافة للجميع، ومختبرًا لتلوث التنوع والحوار بين الأطراف، وورشة عمل متعددة الثقافات تجمع، كما في فسيفساء، مختلف ألوان العالم. وبهذه الطريقة، يمكنها أن تكون مدينة ذات نفس أبدي متجذر في ماضٍ مجيد، ولكنها تَعِدُ ببناء المستقبل: مستقبل بدون حواجز، وبدون جدران التمييز وانعدام الثقة.
هذا هو الحلم الذي علينا أن نعززه: ستُظهر مدينة روما للعالم أجمع الجمال الخاص لذلك التاريخ المسيحي الذي صاغها والذي يتميز ليس فقط في روعة الفن، وإنما أيضًا وبشكل خاص في نبوءة الاستقبال والأخوة. ليتردّد في كل قلب وفي كل شارع من شوارع هذه المدينة إذًا بفرح صدى النشيد: "روما الشهداء والقديسين الخالدة... لن يقوى عليها القوة والرعب، بل سيملك فيها الحق والمحبة".