البابا يستقبل أعضاء الكوريا الرومانية لتبادل التهاني لمناسبة عيد الميلاد
بدأ اللقاء التقليدي السنوي بكلمة للكاردينال جوفاني باتيستا ريه، الذي سلط الضوء على زماننا الحاضر الذي يشهد حروباً في مختلف أنحاء العالم، وأعمالاً لا إنسانية وفظائع تُدمي القلب. تعليقاً على ما قاله الكاردينال الإيطالي استهل البابا فرنسيس خطابه متوقفاً عند الأوضاع الراهنة في قطاع غزة، مندداً بالعنف الذي لا يوفر الأطفال في إشارة إلى القصف الإسرائيلي الذي استهدف بالأمس مبنى سكنياً في وسط مدينة غزة ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص بينهم أربعة أطفال. بعدها تناول الحبر الأعظم الموضوع الذي اختاره لخطابه هذا العام، ألا وهو ضرورة التكلم جيداً عن الآخرين والابتعاد عن النميمة، مشيرا إلى أن هذا الموضوع يعني جميع الأشخاص، بما في ذلك البابا نفسه، لكونه مرتبطا بإنسانيتنا. وشدد على ضرورة أن يكون نشاط الكوريا الرومانية متواضعاً، يقوم به أشخاص يعملون في الخفاء، ضمن جماعة يتفادى أعضاؤها الحديث بالسوء عن بعضهم البعض، بدءاً من الزملاء وصولا إلى الموظفين الأعلى رتبة. إذ لا بد أن يكونوا جميعاً صناعين للبركات. الموضوع الذي اختاره البابا يندرج في سياق التنديد بالثرثرة، التي هي شر يقضي على الحياة المجتمعية، ويُسبب مرضاً للقلب، ولا يؤدي إلى أي نتيجة. وينبغي التنبه لهذا الأمر. ودعا ضيوفه إلى الكلام جيداً عن الآخرين، لاسيما ضمن الكوريا الرومانية حيث الاختصاصات متعددة لكن الجميع يعملون من أجل هدف واحد: أن ينشروا في العالم بركات الله والكنيسة. واعتبر أنه من الجميل أن نفكر أن كل نشاط نقوم به، حتى أبسط النشاطات، يمكنها أن تساهم في حمل بركات الله إلى العالم. لكن لا بد أن نكون منسجمين مع أنفسنا، إذ لا يمكننا أن نحمل البركات ونتكلم بالسوء عن الأخوة والأخوات. لم تخل كلمات البابا من الحديث عن أهمية قيمة التواضع التي تسمح للجماعات بأن تعيش في أجواء من الفرح والتناغم. واقترح على ضيوفه ممارسة اقترحها لعشرين سنة خلت على أبرشية بوينوس أيريس، ألا وهي أن يتمرس الشخص في اتهام نفسه، على غرار ما فعله العديد من قديسي القرون الأولى، مضيفا أنها وسيلة تسمح للإنسان بأن يقول "لا" للفردانية و"نعم" للعيش ضمن جماعة كنسية. وأكد فرنسيس أن الشخص المتمرس في اتهام نفسه، بشكل متواصل، يتحرر من الشبهات والريبة ويترك فسحة لعمل الله. وعندما نكتشف خللا في نفسنا نستطيع أن نتحدث مع ثلاثة أشخاص فقط: مع الله، مع ذاتنا ومع من يعتني بنا داخل الجماعة. في معرض حديثه عن ميزة التواضع ذكّر البابا الحاضرين بأن المسيح كان أول من تواضع، وانحنى على البشر، مضيفا أن تجسد الكلمة يُظهر لنا أن الله لم يلعننا، بل على العكس باركنا. ولأننا بوركنا من قبل الله لا بد أن نبارك الآخرين بدورنا، وإلا أصبحنا مثل الجداول الجافة، التي لا تحمل قطرة مياه واحدة. ولفت الحبر الأعظم إلى أن العمل ضمن بيئة المكتب لا يغني الإنسان لذا لا بد أن يتغذى المرء من الخبرات الرعوية، ومن لحظات اللقاء والعلاقات الودية والخدمة المجانية. ومن الأهمية بمكان أن نشارك سنوياً في الرياضات الروحية، لكي نغوص بالكامل في نعمة الله. وإذا ما انغمس قلبُنا في هذه البركة الإلهية، نصبح قادرين بالتالي على مباركة الجميع، بما في ذلك الشخص الغليظ العشرة، أو من عاملنا بالسوء. بعدها طلب البابا فرنسيس من أعضاء الكوريا الرومانية أن يتركوا الروح القدس يتغلغل في أعماقهم، لافتا إلى أن النموذج الواجب اتباعه هو مريم العذراء، التي هي المباركة، من حملت إلى العالم البركة التي هي يسوع المسيح. وتوقف عند لوحة يحتفظ فيها في مكتبه الخاص، وهي ترمز إلى العذراء وبين ذراعيها يوجد الطفل يسوع الذي يحمل بيد الناموس، وباليد الثانية يمسك بوالدته، ما يشير إلى أن مريم العذراء تقدم للعالم ابنها، وهذا ما تفعله أيضا في قلبونا. هذا ثم وجه البابا كلمة شكر إلى ضيوفه، مشيرا إلى أن العديد من هؤلاء ساهموا في صياغة نص الرسالة العامة "لقد أحبنا"، وقال إن الوثيقة أبصرت النور بعد كتابة الكثير من المسودات. في الختام تمنى الحبر الأعظم أن يساعدنا الرب الذي وُلد من أجلنا بتواضع على أن نكون رجالاً ونساء نعرف كيف نبارك الآخرين. في ختام اللقاء السنوي، قام البابا فرنسيس، وكما جرت العادة، بإهداء كتابين إلى الحاضرين، الكتاب الأول يحمل عنوان "النعمة هي لقاء. إذا كان الله يحبنا مجانا، فلماذا توجد الوصايا؟" وهو عبارة عن تأمل في أهمية النعمة وفي حرية كل مؤمن مسيحي، من إعداد الراهب الدومينيكاني أدريان كانديار ومن إصدارات مكتبة النشر الفاتيكانية. أما الكتاب الثاني فيتضمن تأملات حول صغرنا البشري والخيارات التي يتخذها الله، والتي غالبا ما تكون مدهشة. |