بحث

البابا فرنسيس في سنة ٢٠٢٤ كحاج سلام ورجاء

٢٠٢٤، عام مليء بالأحداث والمبادرات، النداءات والمواقف والوثائق والزيارات بالنسبة للبابا فرنسيس رغم إتمامه قبل انتهاء السنة بقليل عامه الثامن والثمانين.

نُعرِّف هنا ببعض أهم ما قام به الأب الأقدس خلال سنة ٢٠٢٤ ولنبدأ من الوثائق. ففي ٢٤ أيلول سبتمبر صدرت رسالة عامة جديدة للبابا فرنسيس تحمل عنوان Dilexit Nos، لقد أحبَّنا، وموضوعها الحب الإنساني والحب الإلهي في قلب يسوع المسيح. والوثيقة هي رسالة موجهة إلى عالم يبدو أنه قد فقد قلبه، وقد قال المطران برونو فورتي رئيس أساقفة كييتي فاستو خلال تقديم الرسالة العامة الجديدة إنها ووسط الحروب والتفكك تسائلنا النظر إلى الأعلى والقيام باختيارات شجاعة لصالح خير الجميع. وإلى جانب الرسالة العامة ووثائق أخرى تتعلق ببعض الجوانب التنظيمية في دولة حاضرة الفاتيكان وأبرشية روما كانت هناك أيضا رسائل هامة للبابا فرنسيس من بينها تلك التي وجهها إلى المؤمنين الكاثوليك في الشرق الأوسط مع مرور عام على السابع من تشرين الأول أكتوبر ٢٠٢٣، وقد كتب فيها البابا: "أُفكِّر فيكم وأُصلِّي من أجلكم. أودُّ أن أبلُغكم في هذا اليوم الحزين. لسنة خلت اشتعل فتيل الكراهية، ولم ينطفئ بل تفجَّر في دوامة من العنف، وسط العجز المخزي للجماعة الدّوليَّة والدّول الأقوى عن إسكات الأسلحة ووضع حدٍّ لمأساة الحرب. إنَّ الدِّماء تسيل، مثل الدُّموع، ويتزايد الغضب ومعه الرَّغبة في الانتقام، فيما يبدو أنَّ لا أحد يهتمُّ بما يحتاج إليه الناس وما يريدونه: الحوار، والسَّلام. لن أتعب من تكرار أنَّ الحرب هي هزيمة، وأنَّ الأسلحة لا تبني المستقبل بل تدمِّره، وأنَّ العنف لن يحمل أبدًا السَّلام. والتَّاريخ يُثبِت ذلك، ومع ذلك، يبدو أنَّ سَّنوات الصِّراعات العديدة لم تُعلِّمْنا شيئًا". وكم من مرة وجه الأب الأقدس نداءات من أجل السلام في الأرض المقدسة كما ودعا إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مسلطا الضوء من جهة أخرى على ما يتعرض له سكان غزة مطالبا بإيصال المساعدات الإنسانية. ولم يتردد البابا عن إدانة ما وصفها بمذابح الأطفال في غزة واستهداف المدارس والمستشفيات. بل وقد تحدث قداسته في كتاب له عن ضرورة التحقيق بعمق ودقة من قِبل خبراء القانون والمنظمات الدولية للتحقق إن كان ما يحدث في غزة يُعتبر عملية إبادة.

هذا وقد تعددت نداءات البابا فرنسيس من أجل السلام خلال عام ٢٠٢٤، نداءات وإلى جانب غزة والأرض المقدسة شملت في المقام الأول أوكرانيا، هذا إلى جانب السودان ولبنان وميانمار وغيرها. وقد دعا البابا فرنسيس إلى يوم عالمي للصوم والصلاة من أجل السلام وذلك في ١٧ تشرين الأول أكتوبر. هذا وقد كلف البابا فرنسيس خلال سنة ٢٠٢٤ الكاردينال كونراد كرايفسكي المسؤول عن مكتب الكرسي الرسولي المعني بأعمال المحبة لصالح الفقراء باسم الحبر الأعظم بالقيام بزيارات عديدة إلى أوكرانيا حاملا مساعدات من الأب الأقدس والكنيسة إلى الشعب الأوكراني المتألم بسبب الحرب. وإلى هذا البلد أرسل قداسة البابا مجددا سنة ٢٠٢٤ الكاردينال ماتيو زوبي رئيس مجلس أساقفة إيطاليا، وقد سعت هذه الزيارات بشكل أساسي إلى بلوغ تبادل للأسرى وإعادة الأطفال الأوكرانيين إلى بلدهم، هذا إلى جانب دراسة آفاق الحوار لإنهاء الحرب. ووجه البابا فرنسيس من جهة أخرى في ١٩ تشرين الثاني نوفمبر رسالة إلى السفير البابوي في كييف المطران فيسفالداس كولبوكاس مع مرور ألف يوم على اندلاع النزاع أي على غزو روسيا لأوكرانيا. وأكد الأب الأقدس في رسالته أن الكلمة الأخيرة ستكون بالتأكيد لله الذي سيسائل على الدموع الكثيرة التي ذُرفت. ثم وجه الأب الأقدس بعد ذلك، وتحديدا في ١٢ كانون الأول ديسمبر، رسالة إلى السفير البابوي في روسيا المطران جوفاني دانييلو شدد فيها على كون الحرب جرحا خطيرا وقاسيا للعائلة البشرية، وشجع قداسته في الرسالة الجهود الدبلوماسية المتجددة من أجل إيقاف الحرب وتفادي توسعها.    

وفي العام الذي ينتهي اليوم واصل البابا فرنسيس لفت الانتباه إلى مأساة الفقر وتقديم اقتراحات ملموسة للقضاء على الجوع. فقد دعا قداسته مثلا إلى استخدام نسبة من الموارد المالية المخصصة للتسليح من أجل تأسيس صندوق عالمي للقضاء على الفقر بشكل نهائي وتسهيل النشاط التربوي في الدول الأكثر فقرا. وكان البابا قد أدان في أكثر من مناسبة سوق السلاح وأيضا الرياء المتمثل في الحديث عن السلام بينما يتم في الوقت ذاته تغذية الحروب بالسلاح.  

ولا يمكن التطرق إلى سنة ٢٠٢٤ دون الحديث عن السينودس حول السينودسية والذي دعا إليه البابا فرنسيس، وقد عُقدت سنة ٢٠٢٣ الجمعية الأولى حول هذا الموضوع الهام بينما شهد العام الذي ينتهي اليوم الجمعية الثانية، وذلك انطلاقا من الرغبة في إطلاق مسيرة سينودسية، مسيرة إصغاء إلى الروح القدس وإلى شعب الله.

ثم جاء حدث هام آخر افتُتح مع قرب انتهاء العام الحالي وهو اليوبيل الذي يُحتفل به سنة ٢٠٢٥ والذي اختار البابا فرنسيس موضوعه الرجاء الذي لا يُخيِّب. وقد وجه الأب الأقدس لمناسبة اليوبيل نداءات هامة مثل الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام وإعفاء الدول الفقيرة من الديون ووقف إطلاق النار في مناطق النزاع المختلفة.

أما فيما يتعلق بالزيارات التي قام بها البابا فرنسيس خلال سنة ٢٠٢٤ فقد تعددت ما بين رسولية ورعوية، وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى الزيارة الأطول على الإطلاق التي قام بها الأب الأقدس والتي استمرت من ٢ حتى ١٣ أيلول سبتمبر الماضي وشملت كلا من إندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية وسنغافورة، أي أنها زيارة شملت قارتَين، وكان البابا فرنسيس يرغب في القيام بها سنة ٢٠٢٠ إلا أنها قد تأجلت بسبب جائحة الكوفيد.

هذا وقد قام البابا فرنسيس بعدد من الزيارات إلى رعايا أبرشيته روما للقاء الكهنة وتشجيعهم في عملهم الرعوي والقرب من القطيع، كما وقد صدرت للأب الأقدس هذا العام إرادة رسولية أعاد من خلالها تنظيم أبرشية روما، وذلك من أجل ما وصفه قداسته بشركة كنسية أكبر.

31 ديسمبر 2024, 15:06