مداخلة للأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية حول الرسالة العامة Fratelli Tutti
من بين المشاركين في المؤتمر القاضي محمد عبد السلام الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية الذي ألقى مداخلة قال فيها: إن كان من قانونِ الحياةِ في الكائناتِ النموُّ والتجدُّدُ، فكذلك الفكرُ والإبداعُ، لا تستقيمُ الحياةُ إلَّا بهما، وما نراه في حاضرةِ الفاتيكانِ ومن أعلى رأسٍ فيها لهو خيرُ دليلٍ على أنَّ الحياةَ ما زالَتْ بخيرٍ، وأنَّ الفكرَ المبدعَ المؤسِّسَ لرؤيةٍ جديدةٍ لَينطلقُ نحوَ آفاقٍ عليا ممتدَّةٍ في أطواءِ الزمانِ وأعماقِ المكانِ. ولم يلبثِ البابا بعد التوقيعِ على «وثيقةِ الأخوةِ الإنسانيةِ» أن بدأَ في إكمالِ المسيرةِ، فكانتْ تأمُّلاتُه في واقعِ الأممِ، سواءٌ منها ما ظهرَ وما خَفِيَ، وأدركَ بفطرتِه النقيةِ أنَّ إسعادَ الأممِ أمرٌ خفيُّ المسالكِ، غامضُ الجوانبِ، تتشابكُ فيه المصالحُ والسياساتُ، وتتفرَّقُ فيه الدولُ والشعوبُ أهواءً مُتشاكِسةً، وتُمتَحَنُ فيه العقولُ والعزائمُ، لكلِّ ذلك بادَرَ البابا بالإمساكِ بقَلَمِه الشجاعِ ليُسجِّلَ بكلماتِه الصَّريحةِ، والتي لا تخشى إلا اللهَ، مآسيَ المستضعَفينَ والمرهَقِينَ والبائسينَ، وليكتبَ تَذْكرةَ الدواءِ لهذا المرضِ العُضالِ، الذي أصابَ حضارتَنا المعاصرةَ في مقتلٍ، فجاءت هذِه «الرسالةُ» التي نَحتفِي بها اليومَ.
تابع عبد السلام يقول: إني، كشابٍّ مسلمٍ دارسٍ لشريعةِ الإسلامِ وعلومِها أجدُني وبكلِّ حُبٍّ وحماسةٍ مُتفقًا مع البابا في كلِّ كلمةٍ خطَّها في رسالتِه، بل أنظرُ بعينِ الرضا والأملِ في كلِّ مُقترحاتِه التي طرحَها برُوحِ الحريصِ على بَعثِ الأخوةِ الإنسانيةِ من جديدٍ. وقد حذَّرَ البابا من الأيديولوجياتِ المشبعةِ بالأنانيةِ وفُقدانِ الحسِّ الاجتماعيِّ، التي تَعملُ تحت قِناعِ المصالحِ الوطنيةِ المزعومةِ، وحذَّرَ من خطرِ العولمةِ ونتائجِها التي ربما جعلتْنا أكثرَ قربًا، لكنَّها بيقينٍ لن تجعلَنا إخوةً. كما كنت في غاية السعادة وأنا أقرأ للبابا انتقاده الشديد لما يُمكنُ أن يُسمَّى «نهايةَ الوعي بالتاريخِ» بما تحمله هذه النظرية من اختراقٍ ثقافيٍّ خطيرٍ قائمٍ على تفكيكِ الموروثِ الثقافيِّ، وخَلْقِ أجيالٍ تحتقرُ تراثَها وتاريخَها بكلِّ ما يحملُه من ثراءٍ رُوحيٍّ.
ومضى الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية إلى القول: ومن أجلِ المساهمةِ المتواضعةِ في هذا المجالِ فقد فكَّرتُ مع زملائي في اللجنةِ العليا للأخوةِ الإنسانيةِ في إقامةِ منتدًى لمائةِ شابٍّ من حولِ العالمِ، وعقدِ أيامٍ دراسيةٍ، بعضُها هنا في روما، والبعضُ الآخرُ بين أبوظبي ومصرَ بلدِ الأزهرِ الشريفِ، حولَ هذه الرسالةِ، يَعكُفُونَ خلالَها على التأملِ والدراسةِ والنقاشِ الحرِّ المعمَّقِ، وسيكونُ هذا نوعًا منَ النزولِ بالرسالةِ إلى شريحةِ الشبابِ من مختلفِ الأديانِ والأجناسِ؛ لعلَّها تكونُ خُطوةً على الطريقِ الصحيحِ، نحو أخوةٍ إنسانيةٍ عالمية.
ختاما توجه القاضي عبد السلام إلى البابا وإمام الأزهر قائلا لهما: إنَّ جهودَكُما ونِضالَكُما من أجلِ تحقيقِ التعايشِ الإنسانيِّ والأخوةِ العالميةِ، والتي تُوِّجتْ بوثيقةِ الأخوةِ الإنسانيةِ، مثَّلتْ نقطةَ أملٍ وتحوُّلٍ في منطقتِنا العربيةِ والإسلامية، وشعاعَ نورٍ يَسطعُ في أرجاءِ العالمِ، وها نحنُ كلَّ يومٍ نرى الشبابَ يلتفُّونَ حول مبادئِ الأخوةِ والتعايشِ، ونُشاهِدُ الانفتاحَ غيرَ المسبوقِ في العلاقةِ بين أتباعِ الأديانِ. وإنني مع زملائي في اللجنةِ العليا للأخوةِ الإنسانيةِ نَعِدُكما بأن نواصِلَ العملَ بكلِّ إخلاصٍ وذلك من أجلِ تحويلِ هذه الوثيقةِ إلى واقعٍ يعيشُه كلُّ الناسِ.