الأب غيرلاندا: مع الدستور الرسولي الجديد كنيسة أكثر إرساليّة وسينودسيّة
في يوم الأحد الخامس من حزيران يونيو، في عيد العنصرة، دخل الدستور الرسولي الجديد " Praedicate Evangelium" الذي صدر في ١٩ آذار مارس الماضي، والذي يُصلح الكوريا الرومانية، حيز التنفيذ. وبالتالي أجرى موقع فاتيكان نيوز مقابلة مع الأب اليسوعي جيانفرانكو غيرلاندا، الذي سيُصبح كردينالاً في الكونسيستوار المقبل الذي سيُعقد في ٢٧ آب أغسطس المقبل، حدثنا فيها عن حداثات هذه الوثيقة.
في جوابه على سؤال حول كيف سيغيّر الدستور الرسولي الجديد " Praedicate Evangelium" الكوريا الرومانية قال الأب غيرلاندا نقطة أساسية في الدستور هي الروح الإرساليّ: الدفع للبشارة، سواء في المكان الذي تأسست فيه المسيحية منذ نشأتها لعدة قرون خلت - والتي تختفي فعليًا بسبب غزو وانتشار الثقافة العلمانية التي تُغيِّر الذهنيّة من الجذور - سواء حيث لم يتم قبول الإنجيل. ولكن لها أيضًا تداعيات في الكوريا الرومانيّة عينها، والتي يجب أن تبشر نفسها، بمعنى أنه يجب أن تواجه نفسها باستمرار مع الإنجيل، وهو أمر طبيعي لأي مؤسسة داخل الكنيسة ولكنها لا تزال تجد في ذلك حافزًا من الأب الأقدس. من هنا يأتي كل الإصرار على العمل الراعوي للأشخاص الذين يعملون في الكوريا. ففي إحدى الخطابات التي وجهها البابا إلى الكوريا الرومانية، قال إن الكوريا تتجدد ليس مع أشخاص جدد وإنما مع أشخاص متجددين من الداخل. إذن فالأمر كله هو عبارة عن عملية ارتداد يدعونا الأب الأقدس إليها. أما الخط الآخر فهو السينودسية التي تعانق الكنيسة بأسرها والتي يجب أن تعانق أيضًا بشكل واضح ممارسات الكوريا "إلى الداخل" و"إلى الخارج": لأنَّ السينودسية تعني أنه يجب على الجميع، وفقًا لدورهم، أن يشاركوا. كذلك فإن ما يحاول الأب الأقدس فعله هو إزالة ذهنيّة "الوصوليّة".
في الوظائف يبقى الكهنة وأعضاء معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية لمدّة خمس سنوات ويعودون بعدها إلى معهدهم أو أبرشيتهم الخاصة ما لم يتم تثبيت الشخص في وظيفته لظهور قيمته، وأود أن أضيف، لأنه يمكنك أيضًا أن ترى أنه ليس لديه أية أهداف وصوليّة. المهم هو ألا يضع الأشخاص أنفسهم على سُلَّم معيّن. وهكذا، ليس بالضرورة أن يكون رؤساء الدوائر كرادلة: يمكنهم أن يكونوا في الواقع أساقفة أو كهنة أو حتى أشخاصًا علمانيين. وبهذه الطريقة، تتم إزالة التصعيد داخل الدوائر أو الكوريا لكي يصل المرء ليصبح رئيسًا لدائرة ما ومن ثم تلقائيًا كاردينالاً. يبدو لي أن هناك نية من جانب الأب الأقدس - وأنا أوافق تمامًا - للدخول حقًا في ذهنية الخدمة ولكن ليس الخدمة التي تُكافأ بمنصب ما.
تابع الأب غيرلاندا مجيبًا على سؤال حول نطاق القاعدة الواردة في الوثيقة والتي بموجبها يمكن أن يُعهد بقيادة دائرة فاتيكانية إلى شخص علماني وقال إنه في المنطق الذي شرحته، ولكنه أيضًا ضمن رؤية أوسع لأن القانون يعترف بالفعل بأن العلمانيين يمكنهم أن يكونوا قضاة في المحاكم الكنسية، وبالتالي فهم يقررون صلاحية السرّ، ويمارسون السلطة القضائية. ثم هناك أيضًا وظائف أخرى لا تتطلب سر الكهنوت ويمكن أن يتولاها العلمانيون الذين ينالون سلطة مرتبطة بالمنصب أو سلطة مفوضة. وبالتالي ففكرة أن يكون علماني أو علمانية رئيسًا لدائرة فاتيكانيّة تأتي في هذا السياق. إنها مسألة مشاركة العلمانيين في ملء السلطة التي يمارسها الأساقفة ورجال الدين في بعض المجالات. ثم، بالطبع، يتعلّق الأمر بالسلطة التي تمنحها الوظيفة لكي نرى متى تكون موجودة هذه الفرصة. من الواضح أنه ليس من المنطقي التفكير في شخص علماني كرئيس لدائرة الأساقفة أو الإكليرس أو لعقيدة الإيمان. ولكن من المؤكد أن وجود العلمانيين في دائرة العلمانيين والعائلة والحياة أو دائرة التنمية المتكاملة أو الحوار بين الأديان يمكن اعتباره مناسبًا. لأن الذهنيّة هي أن يكون رئيس الدائرة شخص مختص وكفوء. وهذا أمر أساسي بالنسبة لي. كذلك، سيكون لن يكون مرتاحًا الشخص الذي يشغل منصبًا إداريًا وليس لديه كفاءة. نحن أمام رؤية ابتكارية كاملة تتطلّبُ وقتًا لأنها مسألة تغيير ذهنيّة ومنظور، سواء من جانب رجال الدين وإنما أيضًا من جانب العلمانيين لأنهم لا يجب أن ينظروا إلى هذا الأمر كبلوغ لهدف ما وبالتالي كحق. لأننا سنقع مجدّدًا أيضًا في منطق الوصوليّة...
أضاف الأب غيرلاندا مجيبًا على سؤال حول كيف قبل تعيينه ككاردينال وكيف يقرأ هذا التعيين في ضوء الروحانية الاغناطيّة وقال نحن كيسوعيين نتعهد بعدم التقدّم إلى المناصب الكنسية. وأود أن أقول إن هذه قيمة عظيمة لأنها تقضي في النهاية على النزعة الوصوليّة في أرواحنا. ولكن هنا نجد أنفسنا أمام شيء يختلف عن المنصب الكنسي، مثل الأسقفية على سبيل المثال، إنّ الكاردينال ليس منصبًا وإنما هو الدخول في تعاون مباشر وأوثق مع الحبر الأعظم. في هذه الحالة، البابا هو الذي يقرر. لقد كان هذا الأمر غريبًا تمامًا بالنسبة لي. إنه فعل يقبله اليسوعي تمامًا في الطاعة. نحن لا نعتبرها غنى بل طلبًا من البابا لخدمة أعظم من التي قد دعينا إليها حتى الآن.
تابع الأب غيرلاندا مجيبًا على سؤال حول الفسحة والقيمة التي يمتلكها البعد الرعوي في حياته علمًا أنّه قد التزم طوال حياته في دراسة وتعليم القانون الكنسي وقال لقد عشت التعليم دائمًا كنشاط رعوي كهنوتي. حاولت التواصل مع التلاميذ. من ناحية أخرى، قالوا لي عدة مرات: لقد تعلمنا أن نحب المسيح والكنيسة من خلال القانون الكنسي. ثم، بالطبع، كان لدي دائمًا وقفات رعوية مباشرة في حياتي، إذا أمكن أن نسميها كذلك لأنني لسنوات عديدة كنت أذهب دائمًا إلى الرعية لمنح سرِّ الاعتراف للمؤمنين والاحتفال بالقداس كما أنني رافقت أيضًا مجموعات من العلمانيين، وقدمت لهم أيضًا رياضات روحيّة شهرية، ومنذ عام ١٩٧٧ أقدّم سنويًّا شهر الرياضة الروحية الإغناطيّة. ثم هناك أيضًا الإرشاد الروحي .... لكني لا أميز بين الرسالتين لأن التدريس قد ملأ حياتي بهذا الشكل، وأنا أُدرك أنني لا أقوم فقط بنقل المفاهيم وإنما أساعد الأشخاص أيضًا لكي يكتسبوا المواقف والحياة: هذا الأمر ينشئِّهم ويكوّنهم أيضًا.
وخلص الأب غيرلاندا مجيبًا على سؤال حول الطريقة التي ينظر بها إلى المسيرة السينودسيّة للكنيسة وقال آمل أن يظهر شيء ملموس وأعتقد أنَّ هذا هو ما نحاول القيام به. بالطبع، علينا أن نجد الطُرق. في الواقع، إنَّ النهج الذي أعطاه البابا فرنسيس للسينودسيّة هو حقًا شامل للجميع وواسع. في السابق، كانت السينودسية تُعرف بالمجمعيّة، لكن البابا يضعها الآن على خلفية طبيعة الكنيسة ذاتها ويشركها على جميع المستويات. وبالتالي لكي ندخل تدريجيًا في هذا المنظور وبطريقة تنفيذية، أعتقد أن الأمر سيستغرق بعض الوقت، لتغيير العقلية وكذلك لإيجاد طرق ملموسة لتطبيقها. ومن النظرية يجب أن ننتقل إلى الإختبار، وهذا الأمر يتطلب التواضع. أتفق تمامًا مع وجهة نظر البابا، وأجدها صالحة لأنها تطلق مسؤولية مشتركة في الكنيسة: لكل منها دوره الخاص. في الواقع، هذا لا يعني أن الأسقف لم يعد أسقفًا أو أن يصبح العلماني أسقفًا، وإنما يجب على كل فرد أن يحقق دعوته الخاصة، لأنَّ المسؤولية المشتركة تعني أن يتحمل المرء مسؤوليته أمام حياة الكنيسة ورسالتها.