مداخلة الكاردينال بارولين في قمة الأمم المتحدة حول المستقبل
خلال مشاركته في قمة الأمم المتحدة المعنية بالمستقبل وجه أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين الاثنين ٢٣ أيلول سبتمبر كلمة بدأها مشيرا إلى انعقاد هذه القمة أمام أزمة واضحة في النظام متعدد الأطراف، أزمة، وحسبما ذكر أمين السر، هي نتاج تراجع الثقة بين الدول وهو ما تبرزه النزاعات المتزايدة. وعلى هذه القمة أن تكون مصدر رجاء، واصل الكاردينال بارولين مذكرا بمفهوم الرجاء حسب كلمات البابا فرنسيس الذي شدد على أن التحلي بالرجاء لا يعني تفاؤلا ساذجا أو تجاهل المآسي التي تواجهها البشرية، بل الرجاء هو فضيلة قلب لا ينغلق على ذاته في الظلام بل قادر على رؤية غد. وتابع أمين السر أن المستقبل يجب أن يُبنى على أساس مبادئ شاملة، وتحدث هنا عن الكرامة التي وهبها الله لكل شخص، وأيضا عن تعزيز التنمية البشرية المتكاملة، المساواة وكرامة البلدان كافة وبناء الثقة فيما بينها.
ومن هذا المنطلق فإن هناك حاجة إلى إعادة التفكير في العمل في مجالات كثيرة، قال أمين السر وتحدث أولا عن القضاء على الفقر فشدد على ضرورة أن يكون هذا الهدف الأساسي لأفعال المستقبل كافة، وذلك مع تذكر أن التنمية هي اسم السلام حسبما كتب البابا بولس السادس في الرسالة العامة "تَرَقي الشعوب". وواصل الكاردينال بارولين أن بلوغ مستقبل يطبعه السلام والرخاء يستدعي إرادة سياسية من أجل استخدام كل الوسائل الممكنة لتحقيق تنمية مستدامة، ما يتطلب أيضا إصلاح المؤسسات المالية الدولية وإعادة هيكلة الديون وتطبيق استراتيجيات العفو.
تحدث أمين السر بعد ذلك عن نقطة هامة أخرى ألا وهي أن السعي إلى السلام يستدعي تحقيق نزع عام للسلاح وبشكل خاص إزالة تامة للأسلحة النووية. وأشار هنا إلى ضرورة الابتعاد عن الرؤى الجيوسياسية الضيقة ومقاومة قوى الضغط الاقتصادية القوية وذلك من أجل تعزيز الكرامة البشرية وضمان مستقبل يمكن فيه لكل كائن بشري أن ينعم بتنمية متكاملة سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي.
النقطة الثالثة التي أراد الكاردينال بييترو بارولين تسليط الضوء عليها كانت الذكاء الاصطناعي، وقال في هذا السياق إن التكنولوجيا تعكس التوجهات نحو المستقبل وهناك حاجة عاجلة إلى تنظيمها. وأكد أمين السر هنا دعوة الكرسي الرسولي إلى وضع إطار تنظيمي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
ثم توقف الكاردينال بارولين عند ضرورة أخذ بعين الاعتبار احتياجات الأجيال القادمة ومصلحتها عند التفكير في المستقبل. أشار أيضا إلى ضرورة ضمان مستقبل كريم للجميع من خلال توفير الشروط اللازمة، بما في ذلك تعزيز العائلة، وذلك لتشجيع الازدهار. يجب في الوقت عينه مواجهة التحديات التي تعيق هذا مثل تلك الناتجة عن الفقر والنزاعات وغيرها.
أراد أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان بعد ذلك التوقف عند ميثاق المستقبل والحديث عما وصفها بتحفظات للكرسي الرسولي أمام بعض المفاهيم الواردة في هذا الميثاق. وتحدث أولا عن القضايا المرتبطة بما اُطلق عليه اسم الصحة الجنسية والإنجابية وحقوق الإنجاب، فقال إن الكرسي الرسولي يعتبرها قضايا مرتبطة بمفهوم واسع للصحة يشمل الإنسان بكامل شخصيته، أي نفسيا وجسديا، مفهوم يعزز بلوغ نضج للشخص فيما يتعلق بالقضايا الجنسية والمحبة المتبادلة واتخاذ القرارات في العلاقة الزوجية بين رجل وامرأة في تماشٍ مع قواعد أخلاقية. وأضاف الكاردينال بارولين أن الكرسي الرسولي لا يعتبر الإجهاض أو الحصول على أدوية تؤدي إلى الإجهاض من بين أبعاد هذا المفهوم. ثم كانت كلمة الجنس، أي جنس الشخص، موضوع تحفظ آخر أراد أمين السر الإشارة إليه، فقال إن الكرسي الرسولي يعتبر هذا المصلح متعلقا بالهوية الجنسية البيولوجية للإنسان كذكر أو أنثى.
وتابع الكاردينال باروين مداخلته مذكرا بأن الكرامة هي الأساس وبأن التنمية البشرية المتكاملة هي هدف مستقبلنا، وشدد بالتالي على أن الحوار هو الوسيلة الضرورية. وأشار هنا إلى حديث البابا فرنسيس في الرسالة العامة Fratelli Tutti عن تراجع حس الانتماء إلى عائلة بشرية واحدة وعن كون حلم بناء العدل والسلام معا يبدو كأنه يوتوبيا من عصور أخرى. ولتفادي هذا يجب أن تتوفر النية لإطلاق حوار صادق، قال أمين السر ثم ذكَّر مختتما مداخلته بكلمات البابا فرنسيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٥ أيلول سبتمبر ٢٠١٥ حين قال إن الزمن الراهن يدعونا إلى تفضيل أعمال بإمكانها أن تولّد ديناميات جديدة في المجتمع وتؤتي ثمارا في شكل أحداث تاريخية هامة وإيجابية، وأن المستقبل يتطلب منا قرارات هامة وشاملة إزاء الصراعات العالمية التي تزيد أعداد المهمشين والمعوزين.