الكاردينال ماكريكاس يفتح الباب المقدس في بازيليك القديسة مريم الكبرى
ترأس الكاردينال رولانداس ماكريكس، النائب المساعد بازيليك القديسة مريم الكبرى القداس الإلهي عصر الأربعاء الأول من كانون الثاني يناير ٢٠٢٥ في بازيليك القديسة مريم الكبرى بروما، مفتتحاً الباب المقدس لمناسبة بداية سنة اليوبيل. وألقى نيافته عظة قال فيها لقد رافق خطواتنا الأولى كحجاج في سنة اليوبيل في هذه البازيليك البابوية المكرسة لوالدة الإله، صوت الجرس القديم لهذا المزار المقدس المعروف باسم "della Sperduta". من أعلى تلة الـ "Esquilino"، وهي أعلى نقطة في وسط روما، ومنذ اليوبيل الأول للكنيسة يستمر الجرس حتى يومنا هذا في نشر صوته في جميع أنحاء المدينة الخالدة ليعزّي كل حاج. إن صوت هذا الجرس لا يُحدّد ساعات وأوقات الصلاة فحسب، بل هو يحول أيضًا إلى صوت الصورة التقليدية المنسوبة إلى مريم، صورة المرشد والعلامة، نجمة البحر، التي تضيء الطريق في ظلام الليل. ليس فقط صوت الجرس، بل أيضًا كلمات بولس الرسول: "فلما تم الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا لامرأة"، تنير اليوم وترشد تأملنا في هذه الذبيحة الإلهية، في عيد مريم والدة الإله وفي الظرف الاستثنائي لفتح الباب المقدس لهذه البازيليك البابوية.
تابع الكاردينال ماكريكاس يقول يؤثِّر فينا تعبير " فلما تم الزمان". إنه ملء الزمن: عندما يصبح الله إنسانًا ويقوم بذلك في حشا امرأة، مريم. إنها الدرب التي اختارها الله؛ إنها نقطة وصول العديد من الأشخاص والأجيال الذين أعدّوا مجيء الرب إلى العالم. يكتسب الزمن ملؤه عندما يتحد مع الأبدية، أي مع زمن الله اللامتناهي. إنَّ الزمن هو مخلوق عظيم من مخلوقات الله. وقد أراد الإنسان في كثير من الأحيان وبطرق مختلفة أن يزيد الوقت أو يحسِّنه بتقنيات جديدة، لكن كل محاولاته قد أدَّت دائمًا إلى ضياعه أو إلى ما يمكن أن نسميه "تعب الوقت". يكفي أن نفكِّر الحواسيب أو الهواتف المحمولة: لقد صُمِّمت هذه الأجهزة لتوفير الوقت وإثرائه، لكنها غالبًا ما تصبح ألدِّ أعدائه. فيما لا يمكن للمرء أبدًا أن يشعر بالضياع أو التعب من الوقت الذي يعيشه مع الله. إن الأم العذراء هي في قلب هذا الزمن: وقد سُرَّ الله أن يغيّر التاريخ وزمننا من خلالها، هي المرأة البريئة من الدنس من الشعب المختار.
أضاف الكاردينال ماكريكاس يقول نكرّم اليوم بطريقة خاصة صورة مريم والدة الإله التي ندعوها في هذه البازيليك بلقب " Salus Populi Romani". إنه تعبُّد روما وكل مؤمن في العالم للعذراء مريم. لسبع سنوات خلت، وخلال القداس الإلهي الذي احتفل به في هذه البازيليك ذكّرنا قداسة البابا فرنسيس أنَّ "إن الأم تحرس الإيمان، وتحمي العلاقات، وتنقذ في الأوقات السيئة وتحفظ من الشرور. وأنه حيث تكون العذراء لا يمكن للشيطان أن يدخل. وحيث تكون الأم لا يسود الاضطراب ولا ينتصر الخوف. من منا لا يحتاج إلى هذا، من منا لا يكون مضطرباً أو قلقاً أحياناً؟ كم من المرات يكون القلب بحرًا عاصفًا، تتابع فيه أمواج المتاعب وتهب فيه رياح القلق باستمرار! مريم هي السفينة الآمنة وسط الطوفان. وبالتالي فإن الأفكار أو التكنولوجيا لن تمنحنا الراحة والرجاء أبدًا، بل وجه والدة الإله. إن يدا مريم تلامسا حياتنا بحنان، ومعطفها يحمينا، تمامًا كما حمت بين ذراعيها - ذراعي واحدة منا! - الطفل يسوع في المذود.
تابع الكاردينال ماكريكاس يقول كل حاج سيعبر عتبة الباب المقدس لهذا المزار المريمي الأول في الغرب خلال سنة اليوبيل وسيتوقّف للصلاة أمام أيقونة والدة الإله " Salus Populi Romani" وأمام مهد يسوع المقدس، سيغادر هذا المكان يغمره شعور مميّز. شعور ويقين بأن الأم السماوية ترافقه. كل واحد سينطلق من هنا عائدًا إلى بيته وهو على يقين من أن نعمة مريم وحمايتها ورعايتها وحنانها الوالدي سيرافقونه. هكذا يصبح ذهابنا إليها مجيئها إلينا ومعنا. تحمل الملائكة أيقونة الـ " Salus Populi Romani". وعلى الرغم من أن صورة مريم لها ملامح ثابتة، إلا أنها في حركة دائمة: تحملها الملائكة نحونا وتريد أن ترافقنا في كل خطوة من خطوات حياتنا. فكما رافقت ابنها يسوع، منذ ولادته حتى موته، في لحظات الفرح وفي ساعات الحزن المظلمة، هي ترافق كأم الكنيسة بأسرها وكل مؤمن نحو ابنها. إنَّ مريم، أم الله وأمّنا، هي حاسمة لحياة كل مسيحي كما كانت حاسمة في ملء الزمان، لأنه ما من أحد أفضل من الأم يعرف الأزمنة ومتطلبات الأبناء.
أضاف الكاردينال ماكريكاس يقول ستتوقف أيضًا خطوات حجاج الرجاء في هذا اليوبيل، في هذه البازيليك البابوية، التي تُدعى أيضًا بيت لحم الغرب، أمام ذخائر المهد المقدس، أول بيت متواضع وفقير ليسوع. من هذه الشهادة الصامتة لميلاد ابن الله، بدأت البشرية في إحصاء سنوات العصر المسيحي. لنفكر في الأمر: لقد تم تحديد زماننا انطلاقًا من ذلك المهد! لقد كان الرعاة أول من حجّ إلى مذود يسوع في المسيحية، وإذ انطلقوا من الحقول نحو الإسطبل المتواضع في بيت لحم، اختزل الرعاة في تلك الليلة المقدسة جوهر المسيحية: الانطلاق للقاء الرب، متبعين نجمه. يقع هذا المزار المريمي القديم في وسط روما، في قلب هيكليّة على شكل نجمة تذكرنا بنجمة بيت لحم، وتلخّص تمامًا رسالة بازيليك القديسة مريم الكبرى: أن تكون نجمة ساطعة، في خدمة النور الحقيقي، وأن تشير إلى المخلّص، الإله الحقيقي والإنسان الحقيقي، المولود من العذراء مريم. منذ ألف وستمائة سنة تقدّم هذه البازيليك البابوية نفسها مثل نجمة بيت لحم، التي تنشر الإعلان الملائكي الموجه إلى الرعاة: لا تخافوا بل انطلقوا نحو الرب.
وختم الكاردينال ماكريكاس عظته بالقول لنطلب نعمة أن تحرّكنا سنة اليوبيل هذه وتدفعنا للسير نحو الرب باهتمام حقيقي وصادق بأحبائنا، بالفقراء والمرضى والذين أضلوا درب الحق والفرح والسلام. جميعنا، دون تمييز، مدعوون إلى هذا الرجاء نفسه. يمكننا جميعًا أن نسير في درب الرجاء المفرح هذا. ومريم هي بقربنا جميعًا بدون استثناء أحد، وكالأم هي تحب جميع أبنائها وتعتني بهم دائمًا. لنقبل كلمات قداسة البابا فرنسيس الموجهة إلينا في مرسوم إعلان السنة المقدسة " Spes non confundit": أدعو الحجاج الذين سيأتون إلى روما للتوقف للصلاة في المزارات المريمية في المدينة لكي يكرِّموا مريم العذراء ويطلبوا حمايتها. أنا واثق من أن الجميع، ولاسيما الذين يتألمون سيتمكنون من اختبار قرب أكثر الأمهات حنانًا، التي لا تتخلى أبدًا عن أبنائها، وهي التي تشكّل بالنسبة لشعب الله المقدس "علامة تعزية ورجاء أكيد". لنوكل اليوم، في بداية السنة اليوبيلية – مجدّدًا – حياتنا وزمننا إلى أمِّ الله لكي تقودنا إلى يسوع: ملء الزمان، كل زمان، زمن كل واحد منا. آمين.