قلب مريم الطاهر: نبضات حب للابن والكنيسة والعالم
تحتفل الكنيسة اليوم بعيد قلب مريم الطاهر ويعود تاريخ هذا العيد إلى رغبة العذراء مريم، في ظهورات فاطيما في البرتغال عام ١۹١٧، عندما طلبت تكريس العالم لقلبها الطاهر، فوضع البابا المُكرّم بيوس الثاني عشر عام ١۹٤٤، عيد قلب مريم في الثاني والعشرين من شهر آب أغسطس من كل سنة لالتماس شفاعة العذراء "من أجل السلام بين الأمم، حريّة الكنيسة، ارتداد الخطأة، محبة الطهارة، وممارسة الفضيلة" فاحتفلت الكنيسة للمرة الأولى بهذا العيد رسميًا في الثاني والعشرين من شهر آب أغسطس عام ١۹٤٨. لكن في عام ١۹٦۹ نقل البابا بولس السادس هذا العيد الى اليوم التالي الذي يصادف فيه عيد قلب يسوع الأقدس أي السبت الذي يسبق الأحد الثالث بعد العنصرة. بالرغم من ذلك لا تزال بعض الكنائس في العالم، خصوصًا تلك التي تتبّع رزنامة الأعياد القديمة، تعيّيد العيد مرّتين في السنة.
إنَّ تكريم قلب مريم الطاهر ليس بجديدٍ في تاريخ الكنيسة، فالقديس يوحنا أودس (١٦٠١- ١٦٨٠) الذي بنى روحانيته وتعاليمه حول عبادة قلب يسوع الأقدس، كان أوّل من كرّم القلبين الأقدسين معًا قائلًا:
"لا يجبُ الفصل بين ما جمعه الله بطريقةٍ مثاليّةٍ، فقلبي يسوع ومريم مُرتبطان ببعضهما البعض بشكلٍ وثيقٍ جدًا ! فالذي يتعبّد ليسوع يتعبّد لمريم في الوقت نفسه...". وفي القرن التاسع عشر سمح كل من البابوين بيوس السابع والبابا بيوس التاسع لعدّة كنائس أن تحتفل بعيد قلب مريم الطاهر. كما كان قلب مريم الطاهر موضوع تأملٍ معمّقٍ عند القديس برناردوس (١٣٨٠- ١٤٤٤) لتستعير منه الكنيسة دروسًا في المزامير (المأخوذة من آباء الكنيسة) خلال احتفالات قلب مريم. وكذلك كان الأسقف القديس فرنسيس دو سال (١٥٦٧- ١٦٢٢) يعظ حول كمال هذا القلب، كمثالٍ في المحبّة لله.. فكرّس نفسه له وكتب الكثير عنه متأثرًا بالقديس يوحنا أودس.
إن حبريّة البابا فرنسيس مطبوعة بتعبّد عميق للطوباوية مريم العذراء، فقبل وبعد كل زيارة رسوليّة دوليّة يزور قداسة البابا فرنسيس بازيليك القديسة مريم الكبرى في روما ليصلّي أمام أيقونة العذراء مريم. وفي هذه الفترة المطبوعة بانتشار فيروس الكورونا قلب مريم هو القلب الذي يجب أن نوكل إليه البشرية الممتحنة بالعديد من الآلام، ولذلك وخلال مقابلته العامة مع المؤمنين في الثالث عشر من أيار مايو الماضي وفي ذكرى ظهورات العذراء في فاطيما حث البابا فرنسيس المؤمنين لكي يطلبوا من الله بشفاعة قلب مريم الطاهر السلام للعالم ونهاية الوباء وروح الارتداد والتوبة. وفي الرسالة التي وجّهها إلى المؤمنين بمناسبة الشهر المريمي، الشهر الذي يعبّر خلاله شعب الله بشكل مميّز عن محبته وتعبّده للعذراء مريم، كتب الأب الأقدس: "إنَّ التأمّل معًا بوجه المسيح من خلال قلب مريم أمنا سيجعلنا أكثر اتحادًا كعائلة روحيّة وسيساعدنا على تخطّي هذه المحنة". كذلك وفي الحادي عشر من شهر آذار مارس الماضي أوكل البابا مدينة روما والعالم إلى حماية العذراء أم الله ورفع في تلك المناسبة صلاة خاصة إلى العذراء قال فيها: "نُسلِّم أنفسنا إليكِ، أنتِ شفاء المرضى، يا من وقفتِ عند أقدام الصليب مشترِكة في آلام يسوع وراسخة في الإيمان". وفي الثالث عشر من تشرين الأول أكتوبر عام ٢٠١٣ بمناسبة اليوم المريمي خلال سنة الإيمان، وأمام تمثال العذراء سيّدة فاطيما، كرّس البابا فرنسيس العالم إلى قلب مريم الطاهر إذ قال: إقبلي بمحبة أيتها الأم فعل التكرّس الذي نقوم به اليوم أمام صورتك العزيزة على قلوبنا. نحن نثق أنّ كل فرد منا هو قيّم في عينيك وأنّك تعرفين كل ما يُخالج قلوبنا".