البطريرك الماروني: يأتي عيد الشعانين على عائلاتنا حزينًا بسبب حالة اليُتم التي أوقعها فيها المسؤولون السياسيون
استهل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عظته خلال ترؤسه قداس أحد الشعانين في بالقول "كانت الجماهير من مختلف المناطق مجتمعة في أورشليم للاحتفال بعيد الفصح اليهوديّ الواقع يوم السبت التالي. فصعد يسوع أيضًا إلى العيد ليحتفل بالفصح الأخير مع تلاميذه، ويقيم فصحه الجديد الذي هو سرّ موته وقيامته لخلاص العالم وفداء البشريّة جمعاء. في الفصح الجديد يسوع هو الحمل الذي يُذبح ويؤكل في ليلة الاستعداد لمراسيم الفصح اليهوديّ فأسّس سرّ القربان الذي هو ذبيحة ذاته غير الدمويّة من جهة، مستبقًا ذبيحته الدمويّة في الغد، ومن جهة أخرى هو وليمة جسده ودمه للحياة الإلهيّة فينا". وأضاف "استقبله الشعب كبارًا وشبيبة وأولادًا بصورة عفويّة ونبويّة: عفويّة لأنّ صيته أصبح مالئ أرضهم، وبخاصّة إنتشار خبر إحيائه مؤخّرًا لعازر من القبر بعد أربعة أيّام من موته؛ ونبويّة لأنّ الجمع استقبله بأغصان النخل وأعلنه ملكًا عليه، هاتفين "هوشعنا يا ربّ خلّص، مبارك الآتي باسم الربّ ملكنا". وكان في ذهنيّة الشعب أنّ يسوع ملك زمنيّ يخلّصهم من السلطة الرومانيّة الوثنيّة المحتلّة لأرضهم، أرض يهوه أي أرض الله، ويحرّرهم من نير رؤسائهم الثقيل. لكنّ يسوع ليس ملكًا زمنيًّا، بل ملك من نوع آخر، "ومملكته ليست من هذا العالم" (يو 18: 36).
وفي عظته مترئسا قداس أحد الشعانين، قال البطريرك الراعي "أظهر الشعب بعفويّته أنه يعرف يسوع على حقيقته أكثر من قادته، على ما يقول القديس أغسطينوس، ويشرح: "الغنى والسلطة يقضيان على المتعلّقين بهما. فالغنى يقود إلى خفّة العقل، لمن يعتقد أنَّ الغنى غاية لا وسيلة؛ والسلطة تقود إلى الطمع إذا مورست من أجل المصلحة الخاصّة لا الخير العام". جاء المسيح يعلن قوّة المحبّة التي تفوق قوّة المال والسلطة، وتعطيهما معنًى وروحًا". كما وأشار غبطته إلى أنه "بالمعموديّة والميرون أشركنا المسيح في ملوكيّته، وبحكم هذه المشاركة، نحن كمسيحيّين ملتزمون بروح التواضع والفقر والتجرّد، وبإعطاء عالمنا علامات رجاء وطمأنينة، وبإنتزاع الخوف من القلوب، وزرع الثقة فيها".
ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، قال البطريرك الراعي "في رواية الحدث نجد لدى القدّيس متى كيف اغتاظ رؤساء الكهنة والكتبة من هتافات الأولاد "هوشعنا لابن داود"، فأجابهم يسوع: " أما قرأتم في المزمور: من أفواه الأطفال والرّضع أعددت تسبيحًا؟" (متى 21: 15-16). وعندما طلب الرؤساء من يسوع أن يُسكت تلاميذه، أجابهم: "أقول لكم:"إن سكت هؤلاء صرخت الحجارة" (لو 19: 39-40). وأضاف غبطته "فيا ليت المسؤولين السياسيّين عندنا، الممسكين بسلطان الحلّ والربط بشأن تأليف الحكومة، والبدء بالإصلاحات وعمليّة الإنقاذ الاقتصاديّ والماليّ، يسمعون لصوت الله الذي لا يسكت بل يبكّت ضمائرهم! ويا ليتهم يسمعون لصوت الشعب الذي لا يسكت وهو مصدر سلطتهم وشرعيّتهم، ويا ليتهم يسمعون صوت المليوني فقير من شعبنا الذين لا يسكتون عن حقّهم في كفاية العيش الكريم! ويا ليتهم يسمعون لصوت شبابنا الذين لا يسكتون مطالبين بمستقل لهم في الوطن لا في البلدان الغريبة!".
وتابع غبطته "لقد كان بمقدور الجماعة السياسيّة أن تغيّر نظرة الشعب إليها وتعوّم دورها، لو استيقظت على الواقع وعدّلت بسلوكها وعملت على إنقاذ لبنان، وخصوصًا بعد تفجير مرفأ بيروت. لكن معظم المسؤولين تمادوا في الخطأ والفشل واللامبالاة، حتى أن بعضهم أعطى الأولوية لمصالح دول أجنبية ولم يسألوا عن مصير الشعب الذي انتخبهم، فسقطوا وأكدوا أنهم غير صالحين لقيادة هذا الشعب الذي ضحّى في سبيل لبنان، واستشهد أفضل شبابه وشاباته من أجل هذا الوطن. نحن نرفض هذا الواقع وندين كل مسؤول سياسي أوصل دولةَ لبنان وشعب لبنان إلى هذه الحالة المأسوية. لم يكن هذا الصرح البطريركيّ يومًا مؤيدًا لأي مسؤول ينأى بنفسه عن إنقاذ لبنان وشعبه. لم يكن هذا الصرح يومًا مؤيدًا لسلطة تمتنع قصدًا عن احترام الاستحقاق الدستوريّ وتعرقل تأليف الحكومات. لم يكن هذا الصرح يومًا مؤيدًا لجماعات سياسية تعطي الأولوية لطموحاتها الشخصية على حساب سيادة لبنان واستقلاله. ايها الاخوة والاخوات الاحباء، يأتي عيد الشعانين على عائلاتنا حزينًا بسبب حالة اليُتم التي أوقعها فيها المسؤولون السياسيّون. كانت هذه العائلات تنتظر هديّة العيد، حكومةً إنقاذيّة غير حزبيّة، مؤلّفة من خيرة الإختصاصيّين في العلوم والخبرة والإدارة، أحرارًا من كلّ لون حزبيّ وسياسيّ ومن كل ارتهان، قادرين على القيام بالإصلاحات والنهوض بالبلاد. نرجو الّا يحرموا عائلاتنا من هذه الهديّة في عيد الفصح. نرجو، لكي تتحقّق الهديّة، أن يدرك رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المكلّف إنّهما، انطلاقًا من الثقة المتبادلة والمسؤوليّة المشتركة، محكومان بالتشاور وبالإتفاق وفقًا للقاعدة التي جرت منذ التعديلات الدستوريّة عام 1990 ما بعد الطائف، إذ كانا يحدّدان معًا المعايير ويختار كلٌّ منهما وزراء، ثمّ يتّفقان على التشكيلة برمّتها (راجع زياد بارود في نداء الوطن 25 آذار 2021)".
وفي ختام عظته مترئسا قداس أحد الشعانين، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "إنّنا إذ نهنّئكم جميعًا بالعيد ولا سيّما شبيبتنا واطفالنا، نسأل الله، الذي أوصلنا ليتورجيًّا وروحيًّا إلى الميناء، كما سنحتفل برتبة الوصول هذا المساء، أن يجعله أسبوعًا مقدّسًا بذكرى آلام ربّنا يسوع المسيح، فنبلغ به حالة العبور الفصحيّ إلى حياة روحيّة واجتماعيّة ووطنيّة أفضل، لمجد الثالوث القدّوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".