البابا فرنسيس: فلنغتنِ لا بالمال بل حسب الله، الأغنى بالشفقة والمحبة

كان التحذير من عبادة المال والطمع والتطلع إلى الثراء بالخيور المادية، والدعوة إلى الاغتناء حسب الله، محور كلمة البابا فرنسيس اليوم الأحد قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي.

تلا قداسة البابا فرنسيس، والذي أنهى للتو زيارته الرسولية إلى كندا، صلاة التبشير الملائكي ظهر اليوم الأحد. وتحدث قبلها إلى المؤمنين والحجاج المحتشدين في ساحة القديس بطرس عن إنجيل اليوم والذي يحدِّثنا عن توجه رجل إلى يسوع قائلا له "يا مُعَلِّم، مُرْ أَخي بِأَن يُقاسِمَني الميراث" (لوقا ١٢، ١٣). وتابع الأب الأقدس أن هذا وضع يتكرر وأننا نجد مشاكل شبيهة اليوم أيضا، فكم من الأخوة والأخوات ومن أفراد العائلة الواحدة يتشاجرون مع الأسف، وربما لا يتحادثون بعدْ بسبب الميراث.

ثم توقف البابا فرنسيس عند الإجابة التي وجهها يسوع إلى هذا الرجل، إجابة لم تتوقف عند التفاصيل بل تطرقت إلى جذور الانقسام، الرغبة في الامتلاك، فقال يسوع "تَبَصروا واحذروا كل طمع". وما هو الطمع؟ تساءل البابا فرنسيس، إنه جشع لا يُكبح ورغبة متواصلة في الثراء، إنه مرض، مرض يدمر الشخص، وذلك لأن الرغبة في الاستحواذ تخلق إدمانا، فمَن يملك الكثير لا يكتفي أبدا، فهو يريد المزيد دائما ولنفسه فقط. يفقد مثل هذا الشخص الحرية، واصل البابا، حيث يصبح عبدا، ويا لها من مفارقة، لما يُفترض أن يخدمه كي يعيش في حرية وصفاء. وأضاف الأب الأقدس أن هذا الشخص بدلا من أن يجعل المال في خدمته يصبح هو خادما للمال، كما وتوقف البابا عند كون الطمع مرضا خطيرا للمجتمع أيضا، وذلك لأننا وبسببه قد وصلنا اليوم إلى مفارقات أخرى، إلى لا مساواة لم نشهد مثلها من قبل في التاريخ حيث قليلون لديهم الكثير وكثيرون القليل. وأراد البابا فرنسيس توجيه الأنظار من جهة أخرى إلى الحروب والنزاعات مشيرا إلى أنها ترتبط دائما تقريبا بالرغبة في الحصول على الموارد والثراء. وأضاف أن هناك مصالح كثيرة وراء الحرب، وإحدى هذه المصالح هي بدون شك الاتجار بالسلاح.

يعلِّمنا يسوع اليوم، تابع الأب الأقدس، أن في جوهر هذه القضية ليس هناك فقط الأقوياء أو أنظمة اقتصادية بعينها، بل هناك الطمع الذي هو في قلب كل واحد منا. فلنحاول إذاً أن نسأل أنفسنا ما هو مستوى عدم اهتمامي بالممتلكات والثراء، هل أشكو بسبب ما لا أملك أم أن بإمكاني الرضا عما لدي؟ هل أنا على استعداد من أجل المال والفرص للتضحية بالعلاقات وبالوقت المخصص للآخرين؟ وهل يحدث لي أن أضحي على مذبح الطمع بالشرعية والنزاهة؟ وتابع البابا أنه استخدم هنا كلمة مذبح لأن الخيور المادية، الأموال والثراء، يمكنها أن تصبح عبادة، عبادة أصنام بكل معنى الكلمة. ولهذا فإن يسوع ينبهنا مستخدما كلمات قوية، حيث قال إنه لا يمكن لخادم أن يعمل لسيدين. وسلط الأب الأقدس الضوء هنا على أن يسوع لم يقل إن السيدين هما الله والشيطان أو الخير والشر، بل الله والمال. وشدد البابا هنا على أن جعل المال في خدمتنا أمر ممكن، أما غير الممكن فهو أن نخدم نحن الثراء، فهذه عبادة أصنام وإهانة لله.

واصل البابا فرنسيس متسائلا إن كان هذا يعني ألا نتطلع إلى الثراء؟ وأجاب يمكن هذا بل ومن الصحيح أن نرغب في هذا، ومن الجميل أن نصبح أغنياء، ولكن حسب الله، فالله هو الأغنى، إنه غني بالشفقة، بالرحمة. ثراؤه لا يُفقر أحدا، قال الأب الأقدس، ولا يخلق شجارات وانقسامات. إنه غنى يحب أن يهب، أن يوزع ويتقاسم.

وفي ختام كلمته إلى المؤمنين والحجاج قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي شدد البابا فرنسيس على أن جمع الخيور المادية لا يكفي من أجل عيش جيد، وذلك لأن حياة المرء وإن اغتني، وكما يقول يسوع، لا تأتيه من أمواله. دعا البابا بالتالي كل شخص أن يتساءل كيف أريد أن أغتني، حسب الله أم حسب طمعي، وأي ميراث أريد أن أترك، أموالا في مصرف، أشياء مادية، أم أشخاصا يشعرون بالرضا من حولي وأعمال خير لا تُنسى، أشخاصا ساعدتُهم على النمو والنضوج؟ وختم الأب الأقدس متضرعا كي تساعدنا العذراء على إدراك ما هي خيور الحياة الحقيقية، تلك التي تبقى دائما.

31 يوليو 2022, 12:40