البابا فرنسيس: لتساعدنا أم المسيح وأم الكنيسة لكي نكون شهوداً صادقين لإنجيل الخلاص
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس مجموعة من رهبان الـ " Canonici Regolari Premostratensi " بمناسبة الذكرى المئوية التاسعة على تأسيس الرهبانيّة في قبل القديس نوربرتو في بريمونتري وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحب بها بضيوفه وقال غالبًا ما يبرز تاريخ الرهبانيات توترًا معينًا بين المؤسس ومؤسسته. على سبيل المثال، كان القديس نوربرتو مرسلاً وواعظًا متجولًا، وكرئيس أساقفة ماغديبورغ، فقد خطط لتبشير حدود الإمبراطورية الجرمانية آنذاك. لذلك قد يتساءل المرء كيف يمكن أن تتحقق موهبة القديس نوربرتو الإرساليّة في جماعة مستقرة مرتبطة بمكان معين.
تابع البابا فرنسيس يقول إن حضور جماعة من الأخوات أو الأخوة يشبه منارة مضيئة في البيئة المحيطة. ومع ذلك، يعرف الناس أيضًا أن الجماعات الدينية لا تجيب دائمًا بشكل كامل على الحياة التي دُعيَت إليها. إنَّ الخبرة المسيحية الملموسة تتكوّن من النوايا الحسنة والأخطاء، وتقوم على البدء مجدّدًا. لذلك وفي نذوركم الرهبانيّة، تتعهدون بأن تعيشوا حياة ارتداد وشركة. بدون ارتداد لا وجود للشركة. وهذا البدء مجدّدًا والارتداد إلى الأخوّة هو شهادة واضحة للإنجيل أكثر من العديد من المواعظ. إن الاحتفال المشترك والأمين بصلوات الساعات والإفخارستيا يعيدكم باستمرار إلى مصدر الشركة. وبالتالي فالأمانة للصلاة المشتركة، التي هي صلاة المسيح، لها في حد ذاتها قيمة رسولية عظيمة، وتساعد على فتح القلوب والأذهان للجميع؛ ويتجلى هذا الانفتاح في الطابع العام للاحتفالات في كنائسكم. وبالتالي فإن ثقافة التعايش الأخوي، وصلاة الجماعة، التي تفسح المجال أيضًا للصلاة الشخصية، هي أساس "الضيافة الرسولية" الحقيقية، التي تهدف إلى أن يصبح "الغرباء" إخوة وأخوات.
أضاف الأب الأقدس يقول على مر التاريخ، كان العديد رهبانكم مرسلين، ووجسَّدوا بوضوح الروح الإرسالي للقديس نوربرتو. أما اليوم، فتُدعى تأسيساتكم التاريخية في أوروبا لإعادة التفكير في تاريخها. وبقدر ما تسترجعون بداياتكم، إذا جاز التعبير، ستتمكنون من فهم ما هو مصدر إلهامكم الأساسي. لا ننسينَّ أبدًا أن كونكم رهبانيّة يعني أن تتعلّموا من بعضكم البعض؛ هذا يعني أنه على كل جماعة في استقلاليتها، أن تعزز اهتمامًا أخويًّا إزاء جميع الجماعات الأخرى. هذه هي بالنسبة لكم طريقة عيش شموليّة الكنيسة. يعتبر رهبان القديس نوربرتو مرسلين لأنهم، بحكم موهبتهم، يحاولون دائمًا أن ينطلقوا من الإنجيل ومن الاحتياجات الملموسة للناس. فالشعب ليس فكرة مجردة. وإنما هو مكون من أشخاص نعرفهم: جماعات، عائلات، وأفراد. وهم مرتبطون بالدير لأنهم يعيشون ويعملون في المنطقة عينها، وفي بعض الأحيان يشتركون في تاريخ مشترك طويل مع جماعاتكم.
بشكل ملموس، تابع الحبر الأعظم يقول يترجم الدفع الإرسالي لأدياركم إلى خيارات ملموسة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. فيهدف النشاط الاقتصادي للجماعة إلى إعالة أفرادها وتنشئتهم ورسالتهم. بالنسبة للكثيرين منكم، غالبًا ما يكون من الضروري توفير صيانة وحفظ التراث الثقافي والمعماري. لذلك فإن النشاط الاقتصادي هو ضروريٌّ للرسالة وعيش الموهبة: فهو ليس غاية في حد ذاته، ولكنه موجه نحو هدف روحي، ولا يمكنه أن يتعارض أبدًا مع الغرض الذي يخدمه. هذا يعني أنه عند اختيار كيفية كسب المال، عليكم أن تسألوا أنفسكم: ما هو تأثير ذلك على الناس في المنطقة؟ ماذا ستكون العواقب على الفقراء، على ضيوفنا، على الزوار؟ هل تشكل خياراتنا تعبيرًا عن البساطة الإنجيلية؟ هل تعزز الضيافة والحياة الأخوية؟ عليكم أن تسألوا أنفسكم أيضًا ما هي العواقب على البيئة. يساعد استقرار الجماعة وخبرتها الطويلة في التنبؤ بنتائج الخيارات الطويلة المدى. ولذلك فالاستدامة هي معيار أساسي، وكذلك العدالة الاجتماعية. كصاحب عمل، قد يفكر دير ما في توظيف أشخاص يجدون صعوبة في العثور على عمل أو التعاون مع وكالة متخصصة للعمل الاجتماعي. يمكن للانفتاح الحكيم في تقاسم الخيور الثقافية والحدائق والمناطق الطبيعية أن يساهم في ديناميكية منطقة أكبر، إذ أنّه من تقاليدكم مراعاة البيئة والأشخاص الذين يعيشون معكم فيها. وهذا الأمر يخلق الظروف لرعوية فعّالة ولإعلان صادق للإنجيل. لأن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية لا تنفصل أبدًا عن الرسالة.
أضاف الأب الأقدس يقول إلى جانب هذا الاهتمام بالإدارة الجيدة، من الضروري أن تعيشوا أيضًا الاهتمام بالذين هم خارج الشبكة الاجتماعية، والمهمشين بسبب الفقر المدقع أو الهشاشة، وبالتالي الذين يصعب الوصول إليهم. هناك بعض الاحتياجات التي لا يمكن تخفيفها إلا من خلال المحبة التي تشكل الخطوة الأولى نحو اندماج أفضل في المجتمع. وبالتالي فقد خدم العديد من رهبانكم ككهنة رعايا ومعلمين ومرسلين، وهم يعيشون في ذاكرة جماعاتكم، وكذلك في ذاكرة الرعايا والمدارس والبلدان التي خدموا فيها، وهم الذين يشكلون حيويّة تقليدكم، كما يؤكّد شعار يوبيلكم: "معًا، مع الله، مع الشعب".
وخلص البابا فرنسيس إلى القول على خطى القديس نوربرتو، احتفظت تقوى رهبانكم بمكانة مركزية للإفخارستيا، سواء في الاحتفال الجماعي، أو في العبادة الصامتة. كما هو حاضر لنا في القربان، كذلك يريد الرب أن يكون حاضرًا من خلالنا في حياة الذين نلتقي بهم. أتمنى أن تصبحوا، أيها الإخوة والأخوات، ما تحتفلون به، وتنالوه وتعبدوه أي جسد المسيح، وأن تصبحوا فيه شعلة شركة يمكنها أن تُدفئ الكثيرين. إن النذر الأول للقديس نوربرتو وتلاميذه، في يوم عيد الميلاد المقدس، يربط إلى الأبد رهبانيّتكم بسر التجسد. لتلهمكم بساطة بيت لحم وفقرها بحسِّ الأخوة الإنسانية. وليرشدكم الحضور الوالدي لمريم العذراء الكليّة القداس على درب الإيمان والمحبة. إنَّ صلاتها مع التلاميذ قد رافقت ولادة الكنيسة الرسولية التي ألهمت دائمًا أسلوب حياتكم. لتساعدنا أم المسيح وأم الكنيسة لكي نكون شهوداً صادقين لإنجيل الخلاص.