البابا يستقبل رئيسات ومندوبات رهبنة الكرمليات الحافيات
استهل البابا كلمته معبراً عن سروره بهذا اللقاء الذي يتزامن مع إعادة النظر في دستور الرهبنة وقال إنها مهمة هامة، ليس فقط لأنها تستجيب لحاجة بشرية طبيعية ومتطلبات الحياة الجماعية، ولكن أيضا لأنها "زمن الروح القدس"، إنها مناسبة لتكريس أنفسكن للصلاة والتمييز. وإذ تبقين منفتحات داخليا على عمل الروح القدس، فعليكن أن تكتشفن لغة جديدة وطرقا جديدة ووسائل جديدة لإعطاء زخم أكبر للحياة التأملية التي دعاكن الرب لاحتضانها، حتى تجذب موهبة الكرمل قلوبا كثيرة، لمجد الله وخير الكنيسة. مضى البابا إلى القول: إن مراجعة الدساتير تعني تذكر الماضي من أجل التطلع إلى المستقبل، مضيفا أن الراهبات يحملنه على التفكير كيف أن الدعوة التأملية لا تتعلق برعاية الجمر، بل بإشعال نار يمكن أن تستمر في الاشتعال وتوفر الدفء للكنيسة والعالم. وقال: إن ذكرى تاريخكن وعناصر الدساتير التي نضجت على مر السنين هي مصدر غنى يجب أن يبقى منفتحا على إلهامات الروح القدس، وعلى حداثة الإنجيل الدائمة وعلى العلامات التي يظهرها لنا الرب من خلال خبرات الحياة وتحديات التاريخ. تابع فرنسيس يقول إن هذا الواقع يصح بالنسبة لجميع مؤسسات الحياة المكرسة، لكنكن، كنساء محصنات، تدركن ذلك بطريقة خاصة، لأن حياتكن تجسد التوتر بين الانفصال عن العالم والانغماس فيه. وبعيدا عن اللجوء إلى العزاء الروحي الداخلي أو الصلاة المنفصلة عن الواقع، فإن مسيرتكن هي مسيرة تسمحن فيها لأنفسكن بأن تنشغلن بمحبة المسيح والاتحاد به، كي تغمر محبته وجودكن كله وتجد تعبيرا في كل ما تقلنه وتفعلنه. لذلك فإن طريق التأمل هو بطبيعته طريق المحبة، وهو بمثابة سُلّم يرفعنا إلى الله، لكنه لا يفصلنا عن العالم بل على العكس، إنه يرسخنا فيه بشكل أعمق، كشهود للحب الذي تلقيناه. هذا ثم قال البابا فرنسيس: إن هذا هو الدرس الذي تُعلمكن إياه أمُكن القديسة تريزا يسوع بحكمتها وإيمانها المتّقد. فقد كانت تيريزا مقتنعة بأن الاتحاد الداخلي الذي يربط به الله النفس به و"يختمها" يغمر ويغير حياتنا كلها، دون أن يُبعدنا عن مسؤولياتنا اليومية أو دون أن يقترح الهروب إلى الأمور الروحية وحسب. ولفت فرنسيس إلى أن هذه القديسة أوضحت أن الوقت المكرس للصمت والصلاة ضروري، ولكن يجب أن يُنظر إليه على أنه ينبوع الرسالة وجميع الواجبات اليومية التي يدعونا الرب للقيام بها خدمة للكنيسة. بهذه الطريقة – تابع البابا فرنسيس قائلا – لا تواجه الحياة التأملية خطر الانزلاق نحو الجمود الروحي الذي يتقاعس عن مهام الحياة اليومية، بل تستمر في توفير النور الداخلي اللازم للتمييز. وتساءل الحبر الأعظم هنا: ما هو الضوء الذي تحتجن إليه لمراجعة دساتيركن ومعالجة العديد من المشاكل الملموسة للأديرة والحياة الرهبانية؟ هذا النور ليس سوى الرجاء الذي يقدمه الإنجيل. ولفت البابا في هذا السياق إلى أن الرجاء الإنجيلي يختلف عن الأوهام القائمة على الحسابات البشرية. إنه يستلزم تسليم أنفسنا لله، وتعلم قراءة العلامات التي يعطينا إياها لتمييز المستقبل، والتحلي بالشجاعة لاتخاذ بعض القرارات الجريئة والمحفوفة بالمخاطر، حتى دون أن نعرف إلى أين ستؤدي في النهاية. كما أن الرجاء الإنجيلي لا يعني صب الاهتمام على مصطلحات إنسانية ودفاعية عند التفكير في الحفاظ على دير أو إغلاقه، أو في بنيات الحياة الرهبانية، أو في الدعوات. وقال البابا إنه غالبا ما تكون الاستراتيجيات الدفاعية ثمرة حنين إلى الماضي، في حين أن الرجاء الإنجيلي يمنحنا فرح التأمل في تاريخنا وصولا إلى الوقت الحاضر، ويمكّننا أيضا من التطلع إلى المستقبل. في ختام كلمته إلى رئيسات ومندوبات رهبنة الكرمليات الحافيات، قال البابا لضيفاته: انظرن إلى الأمام. هذه هي أمنيتي لكن، أيتها الأخوات العزيزات. انظرن إلى المستقبل برجاء إنجيلي وبأقدامكن الحافية، أي بالحرية الناتجة عن تكريس الذات لله. وليملأكن انغماسكُن الكامل في حضوره بفرح الأخوة والحب المتبادل. لترافقكن السيدة العذراء في هذا الطريق. من كل قلبي، أبارككن وأبارك نقاشاتكن في هذه الأيام، كما أبارك جماعاتكن. وأطلب منكن أيضا أن تواصلن الصلاة من أجلي. |