البابا فرنسيس: على المال أن يخدم لا أن يحكم
استقبل البابا فرنسيس اليوم الاثنين المشاركين في مبادرة تنظمها مؤسسة "السنة المئة" الحبرية بعنوان "حوارات من أجل مالية مستدامة بشكل متكامل". وعقب ترحيبه بالجميع أشار الأب الأقدس إلى اطّلاعه على نتائج عمل هذه المبادرة خلال عامين من الزمن وذلك من أجل إطلاق حوار بين المالية والأنسنة والدين. وتابع البابا أن هذه الحوارات قد بدأت مع ممثلي النظام المالي الإيطالي والذي له تاريخ طويل تَضمَّن أيضا نشاطات لتحفيز مساعدة الأشخاص والفئات الأكثر فقرا وتسهيل منح القروض لتمكين الأشخاص من العمل واستعادة كرامتهم من خلاله. وشدد الأب الأقدس في هذا السياق على أن مساعدة الفقراء بالمال يجب أن تكون علاجا مؤقتا لمواجهة الحالات الطارئة، فالمقصد الحقيقي هو تمكينهم من أن يعيشوا بكرامة عن طريق العمل.
أعرب قداسة البابا بعد ذلك عن تأثره باختيار المشاركين في هذه المبادرة هدفا أساسيا التفكير مع قادة عالم المالية حول إمكانية أن يسير معا العمل بشكل جيد وعمل الخير. وقال الأب الأقدس لضيوفه إنهم قد حددوا لأنفسهم واجبا نبيلا، الجمع بين الكفاءة والفعالية والاستدامة المتكاملة والدمج والأخلاقيات، كما وأشار إلى قناعة ضيوفه بأن التعليم الاجتماعي للكنيسة يمكن أن يكون بوصلة بالنسبة لهم. وواصل قداسة البابا أن تحقيق هذا يتطلب عدم التوقف عند التوجيه بل التمتع بالقدرة على النظر إلى عمل المالية للتعرف على نقاط الضعف وتخيل تصحيح ملموس.
وأراد البابا فرنسيس هنا أن يعطي مثلا فعاد إلى القرن السادس عشر وتحديدا إلى إسبانيا حيث كانت تجارة الصوف نشاطا مزدهرا يحرك رؤوس أموال كبيرة. وبدأ اللاهوتيون الإسبان التأمل في هذه التجارة وأعطوا تقييمات أخلاقية تغيرت مع تغير الإطار التاريخي، قال الأب الأقدس. وواصل أن حرب فلاندر في تلك الفترة أدت إلى عدم تلقي من يعملون في هذا المجال على أجور مناسبة، وهكذا سلط اللاهوتيون الضوء على نقاط ضعف النظام المالي وطالبوا بعدالة أكبر. وأضاف البابا فرنسيس أن لاهوتيي اسبانيا تمكنوا من التدخل لأنهم يعرفون مسار هذا العمل، أي أنهم لم يكتفوا بالحث على العمل من أجل الخير العام بل أوضحوا ما لا يسير بشكل صحيح وطالبوا بتغييرات محددة من أجل الخير العام.
أنتم تعرفون العمليات المالية، واصل البابا فرنسيس قائلا لضيوفه مشددا على كون هذه المعرفة تميزا كبيرا إلا أنها مسؤولية كبيرة من جهة أخرى. وتابع الأب الأقدس أن عليهم فهم كيف يمكن تقليص اللامساواة وذلك لأن إصلاحا ماليا لا يتجاهل الأخلاقيات يتطلب تغييرا صارما في التصرف من قِبل القادة السياسيين، فعلى المال أن يَخدم لا أن يحكم.
وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى عمل ضيوفه على ثلاثة مستويات، الفكر والعمل الملموس وتثمين الخير، وأعرب عن اتفاقه معهم على ضرورة عدم تجاهل العمل الملموس وذلك لأن على المحك هناك مصائر أكثر الأشخاص فقرا الذين يجدون صعوبة في العثور على وسائل لعيش حياة كريمة. وتابع قداسة البابا واصفا ما قام به ضيوفه من عمل في ميلانو بالمشجع، مضيفا أنه من الجيد توسيع هذا العمل ليشمل مراكز مالية أخرى، وذلك من أجل تعزيز شكل للحوار ينتشر ليقود إلى تغيير للنموذج. وتحدث الأب الأقدس هنا عن النموذج التكنوقراطي السائد مشددا على الحاجة إلى ثقافة جديدة قادرة على منح فسحة لأخلاقيات قوية، هناك حاجة إلى ثقافة وإلى روحانية، أضاف قداسته.
هذا وفي ختام استقباله اليوم الاثنين في القصر الرسولي المشاركين في مبادرة "حوارات من أجل مالية مستدامة بشكل متكامل"، والتي تنظمها مؤسسة "السنة المئة" الحبرية، أراد البابا فرنسيس توجيه الشكر إلى ضيوفه على ما قاموا وما يواصلون القيام به، كما وشكر مؤسسة "السنة المئة" الحبرية على هذه المبادرة. شجع الأب الأقدس بعد ذلك الجميع على مواصلة نشر هذا المنهج وهذا الأسلوب، فالحوار هو دائما الطريق الأفضل وذلك أيضا من أجل تحسين بيتنا المشترك. ثم بارك قداسة البابا ضيوفه سائلا إياهم أن يُصلوا من أجله.