البابا فرنسيس يستقبل وفدا عن الشبكة الدولية للمشرعين الكاثوليك ٢٤ آب أغسطس ٢٠٢٤ البابا فرنسيس يستقبل وفدا عن الشبكة الدولية للمشرعين الكاثوليك ٢٤ آب أغسطس ٢٠٢٤  (Vatican Media)

البابا فرنسيس يستقبل وفدا عن الشبكة الدولية للمشرعين الكاثوليك

الحرب هي دائما هزيمة واستسلام أمام قوى الشر، أهمية الصبر والمثابرة والحوار من أجل السلام والخير العام، وضرورة استعادة الرجاء ونقله وخاصة إلى الشباب. هذا ما شدد عليه البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم السبت وفد الشبكة الدولية للمشرعين الكاثوليك.

استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم السبت وفدا عن الشبكة الدولية للمشرعين الكاثوليك International Catholic Legislator Network لمناسبة اللقاء السنوي الخامس عشر لهذه الرابطة. وفي كلمته إلى ضيوفه انطلق الأب الأقدس من الموضوع الذي اختير محور هذا اللقاء ألا وهو "عالم في حرب: أزمات دائمة ونزاعات، ماذا يعني هذا بالنسبة لنا؟". وتحدث البابا فرنسيس عن حرب عالمية مجزأة متواصلة لا تتوقف وأكد أم الأزمة الحالية تهدد بشكل خطير الجهود الصبورة التي تقوم بها الجماعة الدولية، وذلك بشكل خاص من خلال الدبلوماسية متعددة الأطراف، من أجل تشجيع التعاون في مواجهة الظلم الخطير والتحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الملحة التي تواجهها العائلة البشرية.

ثم طرح البابا فرنسيس السؤال حول الإجابة المنتظرة لا فقط من المشرعين بل من جميع النساء والرجال ذوي الإرادة الطيبة، وخاصة َمن يستلهمون من الرؤية الإنجيلية لوحدة العائلة البشرية ودعوتها لبناء عالم تفلحه وتحرسه، عالم تطبعه الأخوّة والعدالة والسلام. وانطلاقا من هذا التساؤل أراد البابا اقتراح بعض النقاط للتأمل.

تحدث الأب الأقدس بالتالي أولا عن ضرورة الابتعاد عن اعتبار الحرب أداة لحل النزاعات وإقامة العدل. وشدد في حديثه على أن كل حرب تترك العالم أسوأ مما كان عليه، كما وذكَّر بأن الحرب هي فشل للسياسة وللإنسانية واستسلام مشين وهزيمة أمام قوى الشر، وأضاف أن الاستسلام لا يعني استسلام بلد أمام بلد آخر بل هو الحرب في حد ذاتها والتي هي بالفعل هزيمة. ثم سلط قداسة البابا الضوء على أن القدرات المدمرة الضخمة للأسلحة المعاصرة قد جعلت المعايير التقليدية لحدود الحرب تبدو وقد عفا عليها الزمن، حيث يتضاءل بشكل متواصل في حالات كثيرة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. وقال البابا فرنسيس في هذا السياق إن ضمائرنا لا يمكنها ألا تتأثر أمام ما نرى بشكل يومي مشاهد موت ودمار. علينا الإصغاء إلى صرخة الفقراء، قال قداسته، صرخة الأرامل واليتامي التي يتحدث عنها الكتاب المقدس، وذلك كي نرى هوة الشر الذي يوجد في قلب الحرب وكي نقرر بكل الأشكال الممكنة اختيار السلام.

النقطة الثانية التي يقترحها البابا فرنسيس للتأمل هي الحاجة إلى المثابرة والصبر الذي هو فضيلة الأقوياء من أجل السير على درب السلام في كل الظروف وذلك من خلال التفاوض والوساطة والتحكيم. وشدد قداسته هنا على ضرورة أن يكون الحوار روح الجماعة الدولية، حوار تُسَهله ثقة متجددة في هيئات التعاون الدولي والتي ورغم كفاءتها التي أثبتتها عبر السنين لتعزيز الجهود العالمية من أجل السلام واحترام القانون الدولي، قال البابا، هي في حاجة متواصلة إلى إصلاح وتجدد من أجل التماشي مع الظروف الحالية والأوضاع الجديدة. هذا وأراد قداسة البابا في هذا السياق تسليط الضوء على أهمية الاهتمام بدعم القانون الإنساني الدولي وتوفير أسس قانونية أكثر قوة بشكل دائم. ويستدعي هذا، حسبما واصل الحبر الأعظم، العمل من أجل توزيع أكثر مساواة لخيور الأرض وتوفير إمكانية تنمية متكاملة للأشخاص وللشعوب من خلال تجاوز اللامساواة والظلم اللذان يغذيان النزاعات على المدى الطويل ويتسببان في المزيد من الإجحاف والعنف في العالم كله.

وتابع البابا فرنسيس قائلا لضيوفه إنهم وفي خبرتهم اليومية كمشرعين وقادة سياسيين كاثوليك يعلمون ماذا تعني مواجهة نزاع، وإن كان على صعيد صغير ولكن ليس أقل زخما، داخل الجماعات التي يمثلونها ويخدمونها. وأضاف أننا كمسيحيين نرى أن جذور النزاع وتفكك المجتمع يجب البحث عنها في النهاية في قلب الإنسان نفسه، وذلك حسبما جاء في الوثيقة المجمعية الدستور الرعائي في الكنيسة في عالم اليوم "فرح ورجاء"، Gaudium et spes. وواصل الأب الأقدس أن النزاعات يمكن أن يكون من الصعب تفاديها في بعض الحالات ولكن يمكن حلها فقط بروح الحوار والإحساس بالآخرين ومبرراتهم ومن خلال التزام مشترك لصالح العدالة في العمل من أجل الخير العام. وذكَّر البابا فرنسيس هنا بما كرر في مناسبات عديدة أي أنه لا يمكن الخروج من نزاع بشكل منفرد، بل مع الآخرين.

فكرة أخرى للتأمل توقف عندها البابا فرنسيس هي أن عالمنا، الذي أرهقته الحرب، هو في حاجة وربما أكثر من أي شيء آخر إلى استعادة روح الرجاء التي أدت إلى تأسيس هيئات التعاون لخدمة السلام بعد الحرب العالمية الثانية. ودعا الأب الأقدس من هذا المنطلق ضيوفه، والذين تنطلق خدمتهم لأخوتنا وأخواتنا من وتَلْقى مساندة ذلك السلام الذي لا يمكن للعالم أن يهبه، قال قداسته، إلى أن يكونوا شهودا للرجاء وخاصة بالنسبة للأجيال الجديدة. وتابع متحدثا إلى ضيوفه عن ضرورة أن يكون عملهم من أجل الخير العام، والذي يعضده الإيمان بوعود المسيح، مثالا للشباب والذين من الهام بالنسبة لهم أن يروا نماذج للرجاء ولمُثل تُناقض رسائل التشاؤم والتهكم التي غالبا ما يتعرضون لها والتي وصفها الأب الأقدس بالرهيبة. وتابع البابا فرنسيس أن هذا يعني بالنسبة لنا، نحن من يعيشون في عالم في حرب تطبعه أزمات ونزاعات دائمة، العثور على الرجاء والقوة لرؤية ما وراء الغيوم وقراءة علامات الأزمنة وإلهام الآخرين، وخاصة الشباب وانطلاقا من الرجاء النابع من الإيمان، والعمل من أجل غد أفضل.

وفي ختام كلمته إلى أعضاء وفد الشبكة الدولية للمشرعين الكاثوليك أكد قداسة البابا فرنسيس صلاته من أجلهم ومن أجل عائلاتهم وأيضا من أجل جميع مَن يقدم ضيوفه خدمتهم لهم. ثم بارك الأب الأقدس الجميع سائلا إياهم الصلاة من أجله.  

24 أغسطس 2024, 12:52