البابا فرنسيس يتلو صلاة التبشير الملائكي ويُذكِّر بدعوة يسوع إلى الطهارة النابعة من الداخل لا من الطقوس الخارجية
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد الأول من أيلول سبتمبر صلاة التبشير الملائكي. وفي كلمته إلى المؤمنين والحجاج المحتشدين في ساحة القديس بطرس انطلق الأب الأقدس من قراءة اليوم من إنجيل القديس مرقس والتي تنقل حديث يسوع عما هو طاهر وما هو نجس. وأضاف البابا أن هذا كان موضوعا يُهتم به كثيرا في تلك الفترة وكان يُربط باحترام الطقوس وقواعد التصرف لتفادي كل ما أو مَن يُعتبر نجسا، وقد كان هذا ما يشبه الهوس بالنسبة لرجال الدين في تلك الحقبة، قال قداسته.
وتوقف الأب الأقدس عند لوم الفريسيين والكتبة ليسوع لأنه يسمح لتلاميذه بتناول الطعام بأيد نجسة أَي غير مغسولة. وهكذا تحدث إليهم يسوع داعيا إياهم إلى التأمل حول معنى الطهارة حيث قال إنها لا ترتبط بطقوس خارجية بل في المقام الأول بالاستعداد الداخلي. ولكي يكون الشخص طاهرا لا جدوى من غسل الأيادي مرات كثيرة إن كان يغذي في أعماق قلبه مشاعر شريرة مثل الطمع والحسد والكبرياء أو مقاصد سيئة مثل الخبث والسرقة والخيانة والشتم (راجع مرقس ٧، ٢١ـ٢٢). وقال الأب الأقدس إن يسوع يلفت الانتباه إلى أن مجرد تطبيق الطقوس لا يجعل الإنسان يكبر في الخير، بل وقد يجعله في بعض الحالات لا ينتبه إلى، أو حتى يبرر، اختيارات وتصرفات، سواء له أو للآخرين، تتناقض مع المحبة وتجرح النفوس وتغلق القلوب.
وتابع البابا فرنسيس مشيرا إلى كون هذا أمرا هاما بالنسبة لنا نحن أيضا، فقال على سبيل المثال إنه لا يمكن الخروج من القداس الإلهي للتوقف في مدخل الكنيسة للنميمة وقول أشياء كريهة تفتقد إلى الرحمة حول كل شيء، وسلط قداسته الضوء بالتالي على الثرثرة التي تفسد القلوب والنفوس. لا يمكن مثلا، واصل قداسة البابا، أن نصلي بخشوع بينما نعامل أحباءنا في البيت ببرود وعدم اكتراث، أو نهمل الوالدين المسنين الذين هم في حاجة إلى مساعدة ومرافقة، وذلك في إشارة إلى كلمات يسوع التي يرويها لنا إنجيل اليوم: "فقد قالَ موسى: ((أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ))، و((مَن لعَنَ أَباه أَو أُمَّه، فلْيَمُتْ مَوتاً)). وأَمَّا أَنتُم فتَقولون: إِذا قالَ أَحَدٌ لِأَبيه أَو أُمِّه: كُلُّ شيءٍ قد أُساعِدُكَ به جَعَلتُه قُرباناً، فإِنَّكم لا تَدَعونَه يُساعِدُ أَباه أَو أُمَّه أَيَّ مُساعَدة فَتنقُضونَ كلامَ الله بِسُنَّتِكمُ الَّتي تَتَناقلونَها. وهُناكَ أَشياءُ كثيرةٌ مِثلُ ذلكَ تَفعَلون))" (مرقس ٧، ١٠ـ١٣). وواصل البابا فرنسيس أن هذه حياة مزدوجة، وهو ما كان يفعل الفريسيون، أي الاهتمام بالطهارة الخارجية بدون أفعال صالحة تطبعها الرحمة إزاء الآخرين. ثم أعطى البابا مثالا آخر فقال إنه لا يمكن أن يكون الشخص في الظاهر يتصرف بشكل صحيح مع الجميع، بل ويقوم بأعمال طوعية وببعض اللفتات الخيرية، بينما تنمو في داخله كراهية إزاء الآخرين وازدراء للفقراء والأخيرين أو أن يتصرف بشكل غير نزيه في عمله. وقال الأب الأقدس إن من يتصرف بهذا الشكل يختزل العلاقة مع الله إلى مجرد لفتات خارجية ويظل في داخله غير متجاوب مع عمل نعمة الله المطهِّر ومنغمسا في أفكار ورسائل وتصرفات خالية من المحبة.
سلط الأب الأقدس الضوء بعد ذلك على طهارة الحياة التي نحن مدعوون إليها، فنحن مدعوون إلى الحنان والمحبة، ودعا البابا فرنسيس إلى أن يتساءل كل واحد: هل أعيش إيماني بشكل متناغم؟ أي أني أحاول أن أفعل في حياتي خارج الكنيسة ما أفعل في الكنيسة بالروح ذاتها؟ بمشاعري وكلماتي وأفعالي؟ هل أجعل ما أقوله في صلاتي ملموسا في القرب من الأخوة واحترامهم؟
ثم ختم قداسة البابا فرنسيس حديثه إلى المؤمنين والحجاج قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي متضرعا كي تساعدنا مريم، الأم الطاهرة، على أن نجعل من حياتنا، بالمحبة المحسوسة والمعاشة، تعبدا مُرضيا عند الله.