البابا فرنسيس: لقد أوكل الله إلينا جميعًا مسؤولية أن نحث الشعوب وندفعهم نحو الأخوَّة والسلام
بمناسبة انعقاد اللقاء الدولي للصلاة من أجل السلام في باريس الذي تنظّمه جماعة سانت إيجيديو وجه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى المشاركين كتب فيها أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، يسعدني بشكل خاص أن أتوجه بتحياتي لكم جميعا، يا ممثلي الكنائس والطوائف المسيحية والأديان العالمية الكبرى، والسلطات الحاضرة. أشكر جماعة سانت إيجيديو التي، بشغف وإبداع جريء، تواصل الحفاظ على روح أسيزي حية. لقد مرت ٣٨ سنة منذ عام ١٩٨٦ عندما تم الاحتفال بأول لقاء للصلاة من أجل السلام. لقد طبعت أحداث كثيرة تاريخ العالم منذ تلك اللحظة: انهيار جدار برلين، وبداية الألفية الثالثة، ونمو الأصولية، والصراعات العديدة التي ضربت الكوكب، بالإضافة إلى التحديات الهائلة للتغير المناخي، وظهور التكنولوجيات والأوبئة الناشئة والمتقاربة التي أثرت على البشرية. نحن في خضم "عصر تغيير" لا نعرف بعد آفاقه.
تابع البابا فرنسيس يقول مع ذلك، أنتم، يا ممثلي الديانات العالمية الكبرى والرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة، جعلتم من أنفسكم حجاجًا في مختلف مدن أوروبا والعالم، للحفاظ على هذه الروح حية. أنتم جميعًا تجعلون آنيّة الكلمات التي قالها سلفي، القديس يوحنا بولس الثاني، في ساحة أسيزي، في نهاية ذلك اليوم الذي لا يُنسى: "لم يكن واضحًا للجميع من قَبل، في تاريخ البشرية الرابط الجوهري بين موقف ديني أصيل وخير السلام العظيم.... لقد ملأنا معًا أعيننا برؤى سلام: هي تطلق طاقات للغة سلام جديدة، ولبوادر سلام جديدة، بوادر من شأنها أن تكسر السلاسل القاتلة للانقسامات التي ورثناها من التاريخ أو التي ولدتها الأيديولوجيات الحديثة. إنَّ السلام ينتظر صانعيه...". روح أسيزي هو بركة للعالم، لعالمنا هذا الذي لا تزال اليوم تمزّقه الكثير من الحروب، وأعمال العنف. وبالتالي على هذه "الروح" أن تهب بقوة أكبر في أشرعة الحوار والصداقة بين الشعوب.
أضاف الأب الأقدس يقول تتوقفون هذا العام في باريس، وهذا المساء تجتمعون أمام الكاتدرائية التي، بعد الحريق المأساوي، ستفتح أبوابها مجدّدًا للصلاة. نحن بحاجة للصلاة من أجل السلام. إن خطر أن تتوسع الصراعات العديدة بشكل خطير، بدلا من أن تتوقف، هو أكثر من ملموس. أتبنى صرختكم وصرخة العديد من المتضررين من الحرب وأوجهها إلى المسؤولين عن السياسة: "أوقفوا الحرب! أوقفوا الحروب! نحن ندمر العالم! لنتوقف بينما لا يزال لدينا الوقت! ليحثَّ هذا اللقاء جميع المؤمنين لكي يكتشفوا مجدّدًا دعوتهم لتنمية الأخوَّة بين الشعوب اليوم. في كثير من الأحيان في الماضي، تم استخدام الأديان لتأجيج الصراعات والحروب. خطر لا يزال اليوم أيضًا يلوح في الأفق.
تابع الحبر الأعظم يقول لذلك أقترح مجدّدًا على الجميع القناعة التي جمعتني بالإمام الأكبر أحمد الطيب: "إنَّ الأديان لا تدعو إلى الحرب أبدا، كما لا تدعو إلى الكراهية والعداوة والتطرف، ولا تدعو إلى العنف وسفك الدماء. وهذه المصائب هي نتيجة الانحراف عن التعاليم الدينية، والاستخدام السياسي للأديان، وكذلك لتفسيرات مجموعات من رجال الدين الذين استغلّوا - في بعض مراحل التاريخ - تأثير المشاعر الدينية على قلوب البشر". علينا أن نبعد الأديان عن تجربة أن تصبح أداة لتأجيج القومية والعرقية والشعبوية. إنَّ الحروب تزداد سوءا. وويل للذين يحاولون استدراج الله للمشاركة في الحروب!
أضاف الأب الأقدس يقول إن المهمة الملحة للأديان هي تعزيز رؤى سلام، كما تظهرون في هذه الأيام في باريس. أيها الرجال والنساء من مختلف الثقافات والأديان، لقد اختبرتم قوة وجمال الأخوة العالمية. هذه هي الرؤية التي يحتاجها العالم اليوم. أحثكم على الاستمرار: كونوا صانعي سلام. وإذا استمر الكثيرون في شن الحرب، يمكننا جميعا أن نعمل من أجل السلام. في الرسالة العامة Fratelli tutti، حثَّيت المؤمنين على تقديم "مساهمتهم الثمينة في بناء الأخوة والدفاع عن العدالة في المجتمع. إن الحوار بين أشخاص من مختلف الديانات لا يتم فقط من منطلق الدبلوماسية أو المجاملة أو التسامح. وكما علّم أساقفة الهند، "إن هدف الحوار هو إقامة الصداقة والسلام والوئام وتبادل القيم والخبرات الأخلاقية والروحية بروح الحقيقة والمحبة".
تابع الحبر الأعظم يقول في هذا الأفق تبرز دعوة هذا اللقاء في باريس: "تخيل السلام". هناك حاجة لكي نلتقي وننسج روابط أخوية ونسمح بأن يرشدنا الإلهام الإلهي الذي يسكن في كل دين، لكي نتخيل معًا السلام بين جميع الشعوب. نحن بحاجة إلى "فسحات للحوار والعمل معًا من أجل الخير العام وتعزيز الفئات الأشد فقرًا". نعم، في عالم يواجه خطر الانزلاق في صراعات وحروب، يصبح عمل المؤمنين ثمينًا لإظهار رؤى سلام وتعزيز الأخوة والسلام بين الشعوب في كل مكان في العالم.
وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول يا ممثلي الكنائس والطوائف المسيحية والديانات العالمية الكبرى، ويا أيها الرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة الذين تشاركون في هذا اللقاء، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، قد أوكلت إلى أيديكم أيضًا مهمة السلام الكبرى. ويطلب منا الحكمة والجرأة والسخاء والعزيمة. وقد سلم الله أيضًا حلمه للعالم بين أيدينا: أي الأخوة بين جميع الشعوب. في الرسالتين العامتين "كن مسبَّحًا" و"Fratelli tutti" تخيلت مستقبل عالمنا هذا: بيت واحد (كوكبنا) وعائلة واحدة (عائلة جميع الشعوب). لقد أوكل الله إلينا جميعًا مسؤولية أن نحث الشعوب وندفعهم نحو الأخوَّة والسلام.