الكاردينال بارولين في الأمم المتحدة: نحن في حاجة إلى الرجاء والتضامن والحس الأخوي
شارك أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارلين في ٢٥ أيلول سبتمبر في الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بمداخلة عبر الفيديو. ونقل في بداية كلمته تحيات البابا فرنسيس ثم توقف عند تطرق الأب الأقدس في الرسالة العامة Fratelli Tutti إلى الكثير من التحديات التي تواجه الجماعة الدولية إلى جانب جائحة كوفيد ١٩ والتهديدات التي تتعرض لها البيئة. وتابع أمين السر مستعيرا من الرسالة العامة أن مواجهة هذه المصاعب بشكل فعال تتطلب مقاربة تقوم على رجاء متجدد أساسه بذور الخير الوفيرة في عائلتنا البشرية مثل تلك التي برزت بشكل بطولي خلال الرد على الأبعاد الطبية والاجتماعية والاقتصادية والروحية للجائحة. وذكر أمين السر أن هذه الأفعال تكشف، وكما قال قداسة البابا، أن الدواء الذي يحتاج إليه العالم ليس الانعزال في المصالح الخاصة بل هو قرب أخوي ورجاء يقوم على مخزون الخير الموجود في قلوب البشر.
توقف الكاردينال بارولين بعد ذلك عند موضوع لقاءات هذه الدورة من الجمعية العامة ألا وهو بناء المرونة من خلال الأمل، وشدد على أنه لا يمكن افتراض ضمان حفظ السلام وحماية وتعزيز الحقوق الإنسانية، التنمية البشرية المتكاملة والعناية ببيتنا المشترك، فهذه قضايا يجب السعي إليها. ثم تحدث عن الرجاء الذي نحتاج إليه للتمكن من مواصلة مواجهة الأزمات الجديدة والقديمة، وذكر بحديث البابا فرنسيس عن الرجاء الذي هو بالنسبة للمسيحي انتظار حي لإتمام نهائي لسر محبة الله.
وانطلاقا من تأكيد الأب الأقدس على أننا لا نخرج من أزمة مثلما كنا من قبل بل نكون إما أفضل أو أسوأ من الماضي، قال الكاردينال بارولين إننا وكي نخرج من جائحة كوفيد ١٩ بشكل أفضل فنحن في حاجة إلى البناء على أساس حس متجدد بالتضامن الأخوي. وتابع أن المرونة تتطلب تنفيذ الالتزامات الواردة في الدورة الاستثنائية للجمعية العامة حول كوفيد ١٩ في كانون الأول ديسمبر الماضي، وتحدث عن ضرورة العمل على توفير اللقاح للجميع. وتابع أمين السر أن المرونة تتطلب أيضا تأملا متجددا في تشبع النظم الصحية بسبب الجائحة ما أدى إلى عدم حصول كثيرين على رعاية كافية أو على أية رعاية. ومن الضروري التفكير أيضا في ضعف الأنظمة الاقتصادية التي تركت كثيرين في الخلف وجعلت الفقراء أكثر ضعفا. شدد من جهة أخرى على أن المرونة تدعو إلى الاستمرارية في محاربة الفساد. ثم تطرق إلى التبعات السلبية للجائحة على البرامج والأنشطة الإنمائية وعلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة لسنة ٢٠٣٠. ولبناء الاستدامة، واصل الكاردينال بارولين، نحن في حاجة إلى التفكير في العلاقة بين الأفراد والاقتصاد وتوفير نماذج اقتصادية وبرامج إنمائية في خدمة الاشخاص وخاصة مَن هم على هامش المجتمع بدلا من استغلال الأشخاص والموارد الطبيعية حسب ما ذكر البابا فرنسيس في الرسالة العامة Fratelli Tutti.
ومن بين المواضيع العديدة التي تطرق إليها أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ المزمع عقده في غلاسغو في تشرين الثاني نوفمبر القادم، وذكَّر في هذا السياق بالكوارث الطبيعية التي ضربت مؤخرا هايتي. كانت الطاقة النظيفة من المواضيع الأخرى التي أشار إليها أمين السر ثم توقف عند الحروب والنزاعات وامتلاك أسلحة الدمار الشامل والتي تقضي على رجاء الكثير من الأشخاص. وتحدث عما نشهد من تبعات للأزمات والصراعات عبر العالم، مشيرا إلى الأحداث الأخيرة في أفغانستان والتوتر المتواصل في سوريا ولبنان. ودعا إلى الاستجابة إلى نداء الأمين العام للأمم المتحدة والبابا فرنسيس من أجل وقف عالمي لإطلاق النار وتحمل مشترك للمسؤولية الإنسانية.
ذكَّر الكاردينال بارولين بعد ذلك بكون أزمة العلاقات الإنسانية من المواضيع المثيرة للقلق حسب ما ذكر البابا فرنسيس، حيث تسود الأنانية وثقافة الإقصاء. ثم توقف عند أشكال الظلم الكثيرة ما بين سوء المعاملة والاستغلال، التجاهل والقتل أو ترك الأشخاص يتألمون في حالات طوارئ إنسانية. هناك أيضا ما يتعرض له أشخاص من خلفيات دينية وعرقية ولغوية مختلفة من عنف وقمع، وما يتعرض له اللاجئون والمهاجرون والنازحون الداخليون، المسنون أو الأشخاص المعوقون، الأطفال الذين يقصيهم المجتمع حتى قبل أن يولدوا، والعائلات. وواصل أمين السر متحدثا عما توصف بحقوق جديدة تناقض القيم التي يُفترض أن تدعمها ويتم فرضها بدون أي أساس موضوعي أو اتفاق دولي. ثم شدد الكاردينال بارولين على ضرورة بناء المرونة على أساس الرداء مع الدفاع عن الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية بما في ذلك حق الحياة، حرية الفكر والضمير والدين والتعبير. وتحدث أيضا عن ضرورة تجديد الأمم المتحدة.
وفي ختام مداخلته في الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٥ أيلول سبتمبر أشار الكاردينال بييترو بارولين أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان إلى علامات الرجاء الكثيرة، وأكد أنه كي نكون صناع سلام في مجتمعاتنا يجب العثور على بذور التضامن. وذكَّر هنا بكلمات البابا فرنسيس خلال لقائه في بودابست في ١٢ أيلول سبتمبر ممثلي مجلس الكنائس المسكوني وبعض الجماعات اليهوديّة: "يطلب منّا إله العهد عدم الاستسلام لمنطق العزلة والمصالح الخاصّة. إنّه لا يريد أن يقيم عهودًا مع البعض، على حساب الآخرين، بل مع أشخاصٍ وجماعات تكون جسورًا للشّركة مع الجميع". ذكَّر أيضا بزيارة الأب الأقدس إلى العراق في آذار مارس الماضي وكلماته خلال اللقاء بين الأديان: " لَنْ يَكونَ سَلامٌ ما دامَتْ التَحالُفاتُ تَنْشَأُ ضِدَّ أَحَدٍ ما، لأنَّ تَحالُفاتِ البَعْضِ ضِدَّ البَعْض لا تَزيدُ إلّا الانْقِسامات. السَّلامُ ليْسَ فيهِ غالِبونَ وَمَغْلُوبون، بَلْ إخْوَةٌ وأَخَوات، يَسيرونَ مِنَ الصِّراعِ إلى الوَحْدَة".