التأمل الرابع لزمن الصوم مع واعظ القصر الرسولي
ألقى واعظ القصر الرَّسوليّ الكاردينال رانييرو كانتالاميسا صباح الجمعة تأمّله الرابع لزمن الصوم في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، تحت عنوان "أنا القيامة والحياة". استهل الكاردينال كانتالاميسا تأمّله بالقول في تأملنا حول كلمات "أنا هو" (Ego eimi) العظيمة التي قالها يسوع في إنجيل يوحنا، نصل إلى الفصل الحادي عشر الذي يتحدّث عن قيامة لعازر. إن التعليم الذي أراد يوحنا أن ينقله إلى الكنيسة من خلال التركيب الحكيم للإصحاح يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط: النقطة الأولى: يسوع يقيم صديقه لعازر من الموت؛ النقطة الثانية: قيامة لعازر من الموت تؤدي إلى الحكم على يسوع بالموت: "فعقَدَ عُظَمَاءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ مَجلِساً وقالوا: "ماذا نَعمَل؟ فإِنَّ هذا الرَّجُلَ يَأتي بِآياتٍ كثيرة. فإذا تَركْناهُ وشَأنَه آمَنوا بِه جَميعاً، فيأتي الرُّومانِيُّونَ فيُدَمِّرونَ حَرَمَنا واُمَّتَنا". فقالَ أَحَدُهم قَيافا، وكانَ في تِلكَ السَّنَةِ عَظيمَ الكَهَنَة: "أَنتُم لا تُدرِكونَ شَيئاً، ولا تَفطُنونَ أَنَّه خَيرٌ لكُم أَن يَموتَ رَجُلٌ واحدٌ عَنِ الشَّعْب ولا تَهلِكَ الأُمَّةُ بِأَسرِها"؛ النقطة الثالثة: موت يسوع سيؤدي إلى قيامة جميع الذين يؤمنون به. وفي الحقيقة يقول الإنجيلي: "لَم يَقُلْ هذا الكَلامَ مِن عِندِه، بَل قالَه لأَنَّه عظَيمُ الكَهَنَةِ في تِلكَ السَّنَة، فَتَنَبَّأَ أَنَّ يسوعَ سيَموتُ عَنِ الأُمَّة، ولاعنِ الأُمَّةِ فَقَط، بل لِيَجمَعَ أيضاً شَمْلَ أَبناءِ اللهِ المُشَتَّتين. فعَزَموا مُنذُ ذلك اليَومِ على قَتْلِه".
تابع الكاردينال رانييرو كانتالاميسا يقول والآن يمكننا أن نركز على كلمة إعلان يسوع الوارد في السياق: "فقالَ لَها يسوع: "سَيَقومُ أَخوكِ". قالَت لَه مَرْتا: "أَعلَمُ أَنَّه سيَقومُ في القِيامَةِ في اليَومِ الأَخير". فقالَ لَها يسوع: "أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا". "أنا القيامة!" ونسأل أنفسنا: ما هي القيامة التي يتحدث عنها يسوع هنا؟ لقد فكّرت مرتا في القيامة الأخيرة. ويسوع لا ينكر هذه القيامة "في اليوم الأخير"، التي وعد بها هو نفسه في مكان آخر، لكنه يعلن هنا شيئًا جديدًا: أن القيامة تبدأ منذ الآن للذين يؤمنون به. ويعلِّق القديس أوغسطينوس: "لقد أشار لنا الرب إلى قيامة الأموات التي تسبق القيامة الأخيرة. ولا يتعلّق الأمر بقيامة مثل قيامة لعازر أو ابن أرملة نايين... اللذين قاما ليموتا مرة أخرى".
أضاف واعظ القصر الرسولي يقول كما نرى، فإن فكرة القيامة "الروحية" والوجودية، التي تحدث في هذه الحياة بفضل الإيمان، لم تكن مجهولة في التقليد المسيحي. وقد تدخّلت الحداثة عندما أرادوا أن يجعلوا من هذا المعنى المعنى الوحيد لكلمة يسوع. لكن يوحنا خصص فصلين كاملين من إنجيله لقيامة يسوع الفعلية بالجسد، مقدمًا بعض المعلومات الأكثر تفصيلاً عنها. لذلك، فإن الأمر بالنسبة له ليس فقط "قضية يسوع"، أي رسالته التي قامت من بين الأموات - كما كتب أحدهم - بل شخصه! إنَّ القيامة الحالية لا تحل محل القيامة النهائية للجسد، بل هي ضمانتها. وهي لا تُبطل قيامة المسيح من القبر ولا تجعلها عديمة الفائدة، بل تقوم عليها تحديدًا. يمكن ليسوع أن يقول "أنا القيامة"، لأنه هو القائم! وقبل يوحنا، كان الرسول بولس هو الذي أكد على العلاقة التي لا تنفصم بين الإيمان المسيحي وقيامة المسيح الحقيقية. وبالتالي من المفيد والسليم دائمًا أن نتذكر كلماته القوية لأهل كورنتوس: "وإن كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل وإيمانكم أيضا باطل. بل نكون عندئذ شهود زور على الله، لأننا شهدنا على الله أنه قد أقام المسيح وهو لم يقمه، هذا إن صح أن الأموات لا يقومون. فإذا كان الأموات لا يقومون، فالمسيح لم يقم أيضا. وإذا لم يكن المسيح قد قام، فإيمانكم باطل ولا تزالون بخطاياكم". كتب القديس أوغسطينوس: "إيمان المسيحيين هو قيامة المسيح"، وأضاف: "إنَّ الجميع يؤمنون أن يسوع مات، حتى الأنذال يؤمنون بذلك، ولكن لا يؤمن الجميع بأنه قام، ولا يكون المرء مسيحياً ما لم يؤمن بذلك". هذه هي المادة الحقيقية التي بها "تقوم عليها الكنيسة أو تسقط". وفي سفر أعمال الرسل، يتم تعريف الرسل ببساطة على أنهم "شهود قيامته".
تابع الكاردينال رانييرو كانتالاميسا يقول وبعد أن تأكدنا من الحقيقة التاريخية لقيامة المسيح، يمكننا أن نوجه اهتمامنا إلى المعنى الوجودي لكلمات يسوع: "أنا القيامة والحياة". في تعليقه على حادثة قيامة الأموات وظهورهم في أورشليم لحظة موت المسيح (متى ٢٧، ٥٢-٥٣)، يكتب القديس لاوون الكبير: "تظهر الآن في المدينة المقدسة [أي: في الكنيسة] علامات القيامة العتيدة وما يجب أن يتم يومًا ما في الأجساد، يجب أن يتم الآن في القلوب". بمعنى آخر، هناك نوعان من القيامة: هناك قيامة الجسد التي ستحدث في اليوم الأخير، وهناك قيامة القلب التي لا بد أن تحدث كل يوم! إن أفضل طريقة لاكتشاف لكي نكتشف ما يُقصد بقيامة القلب هي أن نلاحظ ما أحدثته قيامة يسوع بالجسد بشكل روحيّ في حياة الرسل. يبدأ بطرس رسالته الأولى بهذه الكلمات النبيلة: "تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، شملنا بوافر رحمته فولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات، ولميراث غير قابل للفساد والرجاسة والذبول، محفوظ لكم في السماوات". إنَّ قيامة القلب هي إذًا ولادة جديدة للرجاء. ولكنَّ الغريب هو أن كلمة "رجاء" هي غائبة عن كرازة يسوع، فالأناجيل تذكر الكثير من أقواله عن الإيمان والمحبة، ولكنها لا تذكر شيئًا عن الرجاء، حتى وإن كانت كرازته بأسرها تعلن أنَّ هناك قيامة من الموت وحياة أبدية. أما بعد عيد الفصح، نرى فكرة وشعور الرجاء ينفجران حرفيًا في كرازة الرسل. فيتمُّ وصف الله نفسه بأنه "إله الرجاء" (روما ١٥، ١٣). إن تفسير غياب الأقوال عن الرجاء في الإنجيل بسيط: كان على المسيح أن يموت أولاً ويقوم. وبقيامته فتح مصدر الرجاء؛ ودشّن موضوع الرجاء ذاته، الذي هو الحياة مع الله بعد الموت.
أضاف واعظ القصر الرسولي يقول لنحاول أن نرى ما يمكن أن تنتجه ولادة الرجاء مجدّدًا في حياتنا الروحية. يروي سفر أعمال الرسل ما حدث ذات يوم أمام باب الهيكل في أورشليم المعروف بالباب الحسن. بالقرب منه كان يرقد كسيحًا يتوسل الصدقات. وفي أحد الأيام مرَّ بطرس ويوحنا ونحن نعرف ما حدث. فالمقعد، الذي شُفي، قام وثبا وأخذ يمشي، بعد أن كان ملقى هناك، متروكًا لسنين طويلة، وعبر هو أيضًا ذلك الباب ودخل الهيكل "ماشيًا قافزًا يسبح الله". يمكن أن يحدث لنا نحن أيضًا شيء مماثل، بفضل الرجاء. كثيرًا ما نجد أنفسنا، نحن أيضًا روحيًا، في موقف المقعد على عتبة الهيكل؛ خاملين وفاترين، مشلولين إزاء الصعوبات. وإذا بالرجاء الإلهي يمرُّ بقربنا، تحمله كلمة الله، وتقول لنا أيضًا، كما قال بطرس للمقعد، وكما قال يسوع للكسيح: "قُم وامشِ!". فننهض وندخل أخيرًا إلى قلب الكنيسة، مستعدين لكي نأخذ على عاتقنا مرة أخرى وبفرح المهام والمسؤوليات التي أوكلتها لنا العناية الإلهية والطاعة. هذه هي معجزات الرجاء اليومية. إنه حقًا شافٍ كبير، وصانع معجزات؛ يعيد آلاف المعوقين والمشلولين الروحيين على أقدامهم، آلاف المرات.
تابع الكاردينال رانييرو كانتالاميسا يقول تقارن الرسالة إلى العبرانيين الرجاء بـ "مرساة أمينة وثابتة لحياتنا". آمنة وثابتة لأنها ليست ملقاة على الأرض بل في السماء، لا في الزمن بل في الأبدية، "تخترق الحجاب"، كما تقول الرسالة إلى العبرانيين. لقد أصبح رمز الرجاء هذا كلاسيكيًا. ولكن لدينا أيضاً صورة أخرى للرجاء - بمعنى ما مناقضة للصورة السابقة - وهي الشراع. فإذا كانت المرساة هي التي توفر الأمان للسفينة وتبقيها ثابتة بين أمواج البحر، فإن الشراع هو ما يجعلها تتحرك وتتقدم في البحر. يعمل الرجاء في كلا الاتجاهين، سواء فيما يتعلق بالقارب الذي هو الكنيسة، أو فيما يتعلق بقارب حياتنا الصغير. إنه في الحقيقة كالشراع الذي يجمع الريح وبدون ضجيج يحولها إلى قوة دافعة تنقل القارب على الماء. فكما أن الشراع، في يد بحار جيد، يكون قادرًا على استغلال أي رياح، من أي اتجاه، مواتية أو غير مواتية، لكي يحرّك القارب في الاتجاه المطلوب، هكذا يفعل الرجاء. أولاً يساعدنا الرجاء في مسيرة القداسة الشخصية. ويصبح الرجاء، في الشخص الذي يمارسه، مبدأ التقدم الروحي. الرجاء هو دائمًا في حالة تأهب لاكتشاف "فرص خير" جديدة يمكن تحقيقها. لذلك هو لا يسمح لنا أن نستقر في الفتور والكسل. الرجاء هو عكس ما نعتقده في بعض الأحيان. هو ليس استعدادًا داخليًّا جميلاً وشاعريًّا يجعلك تحلم وتبني عوالم خيالية. بل هو ملموس وعملي جدًّا. يقضي وقته دائمًا في وضع المهام التي يجب القيام بها أمامك.
أضاف واعظ القصر الرسولي يقول إنَّ للرجاء في العهد الجديد، علاقة مميزة بالصبر. هو عكس نفاد الصبر، والتسرع، و"كل شيء الآن". إنه الترياق ضدَّ الإحباط. وهو يحافظ تحافظ على الرغبة حية. هو أيضًا مربٍّ عظيم، بمعنى أنها لا تشير إلى كل شيء دفعة واحدة - كل ما يجب القيام به أو يمكن القيام به - ولكنها يضعك أمام احتمال واحد في كل مرة. هو يعطي فقط "الخبز اليومي"، ويوزع الجهد ويسمح هكذا بتحقيقه. ويسلط الكتاب المقدس الضوء باستمرار على هذه الحقيقة: أن الشدّة لا تنزع الرجاء، بل تزيده، ويكتب القديس بولس: "إن الشدة تلد الثبات، والثبات يلد فضيلة الاختبار وفضيلة الاختبار تلد الرجاء والرجاء لا يخيب صاحبه، لأن محبة الله أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وهب لنا". إنَّ الرجاء يحتاج إلى الشدة كما يحتاج اللهب إلى الريح لكي يتقوّى. وبالتالي على الأسباب الأرضيّة للرجاء أن تموت، واحدًا تلو الآخر، لكي يظهر السبب الحقيقي الذي لا يتزعزع، الذي هو الله. وكما يحدث في إطلاق السفينة، من الضروري أن تتم إزالة السقالات التي كانت تدعم السفينة بشكل مصطنع عندما كانت قيد الإنشاء وأن يتم إزالة جميع الدعائم المختلفة واحدة تلو الأخرى، لكي تتمكن من أن تطفو وتتحرك للأمام بحريَّة على الماء.
تابع الكاردينال رانييرو كانتالاميسا يقول إنَّ الشدّة تنزع منا كل "قبضة" وتقودنا لكي نرجو في الله وحده، وتقودنا إلى حالة الكمال التي تقوم على الرجاء على غير رجاء، أي الاستمرار في الرجاء من خلال الثقة في الكلمة التي قالها الله، وكذلك عندما يختفي كل سبب بشري للرجاء. هكذا كان رجاء مريم تحت الصليب، ولهذا السبب تدعوها التقوى المسيحية بلقب أم الرجاء. يصف سفر أشعيا قوة الرجاء المحوِّلة بشكل رائع ويقول: "الفتيان يتعبون ويعيون والشبان يعثرون عثارًا. أما الراجون للرب فيتجددون قوة يرتفعون بأجنحة كالعقبان يعدون ولا يعيون يسيرون ولا يتعبون". هذه الصلاة هي الجواب على شكوى الشعب القائل: "مصيري مخفي عن الرب". إنَّ الله لا يعِد بأن يزيل أسباب التعب والإرهاق، بل يمنح الرجاء. يبقى الوضع نفسه كما كان، لكن الرجاء يمنح القوة للتغلب عليه.
وختم واعظ القصر الرَّسوليّ الكاردينال رانييرو كانتالاميسا تأمّله الرابع لزمن الصوم بالقول ونختم بالإصغاء، كما لو كانت موجّهة إلينا، إلى الصلاة التي رفعها القديس بولس لصالح المؤمنين في روما في نهاية رسالته الموجهة إليهم: "ليغمركم إله الرجاء بالفرح والسلام في الإيمان لتفيض نفوسكم رجاء بقوة الروح القدس!".