المطران كاتشيا: مع "الحل العسكري" لن يكون هناك مستقبل للشرق الأوسط وأوكرانيا المطران كاتشيا: مع "الحل العسكري" لن يكون هناك مستقبل للشرق الأوسط وأوكرانيا 

المطران كاتشيا: مع "الحل العسكري" لن يكون هناك مستقبل للشرق الأوسط وأوكرانيا

مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك يعيد التأكيد على الخطر الذي يمثله الصراع والعنف ويشير إلى ضرورة اتباع مسارات أخرى لتحقيق وقف التصعيد. التحذير من سباق التسلح، مع التركيز على الطاقة النووية، التي "تتضمّن استثمارات هائلة من الأفضل أن يتمّ إنفاقها على التنمية الاجتماعية والاقتصادية وفي برامج منع الصراعات".

إن ما يحدث في أوكرانيا والشرق الأوسط يثبت أن "الحل العسكري" غير ناجح ــ كما تظهر ذلك خسارة الآلاف من الأرواح، وتدمير الأسر، فضلاً عن المساكن والبنى التحتيّة ــ وأن الأمر يتطلب سلوك مسار آخر. في مقابلة مع وسائل إعلام الفاتيكان، يرسم مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك المطران غابرييلي كاتشيا المسارات اللازمة لتحقيق السلام، مسلطًا الضوء على الأدوات، الموجودة أيضًا في حوزة الدبلوماسية الدولية، والتي يمكنها أن تسهل وقف التصعيد والتي لم يتم استخدامها بعد.
ويؤكد المطران كاتشيا، كما فعل في الماضي، على الواقع المثير للقلق المتمثل في الإنفاق الحالي غير المسبوق على التسلح الذي يحدث في العديد من البلدان، مشيرًا إلى أنه من الأفضل استخدام هذه الاستثمارات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وبرامج منع الصراعات، في ظل الحاجة إلى استعادة الثقة والهيكليات الدبلوماسية والتعاون. كما يعيد التأكيد على قلق الكنيسة الكبير إزاء مخاطر الأسلحة النووية، التي تمثل "تهديدًا وجوديًا للبشرية جمعاء". وكمراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك منذ خمس سنوات يشير أيضًا إلى ما يراه ضروريًا لكي تتمكن هذه المنظمة الدولية الكبيرة من أن تلعب دورًا أكثر فعالية لصالح السلام.
في جوابه على سؤال حول كيف يمكن، بناء على خبرته، إيجاد سبل للسلام خاصة في الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط قال المطران كاتشيا لا أحد يملك حلاً "سحرياً" لهذه الصراعات، التي تنشأ من أسباب متعددة ومن وجهات نظر مختلفة للأطراف التي تتحمل المسؤولية. ومع ذلك، من المهم أن نكرر بشجاعة واقتناع أن السلام وحده هو الحل وأن دروب العنف والصراع تولد الموت وتديم الظلم وتنتج الكراهية. ونحن نعرف، أن ما يسمى ب "الحل العسكري" ليس فقط غير ناجح، بل هو غير قادر على التخطيط لمستقبل مختلف. هذه الملاحظة بالتحديد، والتي تعني للأسف خسارة آلاف الأرواح، وتدمير عائلات، وتدمير منازل ووظائف وبنى تحتية، تؤدي بشكل متناقض إلى الوعي بأن هناك طريقًا آخر يجب اتباعه، كما أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الحرب هناك العديد من الأسباب والأشخاص الذين يمكنهم اتباع طريق السلام. وقد شدد البابا على أن إيجاد سبل السلام يتطلب التزامًا صادقًا من جانب جميع الأطراف المعنية، وحوارًا مفتوحًا وبناءً، ولاسيما، الاستعداد لوضع الانقسامات جانبًا والعمل معًا من أجل الخير العام وتعزيز المصالحة والتضامن.
أضاف مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك مجيبًا على سؤال حول إن كانت هناك أدوات من شأنها تسهيل الانفراج لم يتم استخدامها بعد، حتى من قبل الدبلوماسية الدولية وقال يتناول الفصل السادس بأكمله من ميثاق الأمم المتحدة الحل السلمي للمنازعات "من خلال المفاوضات والتحقيقات والوساطات والمصالحة والتحكيم والقوانين القضائية، واللجوء إلى المنظمات أو الاتفاقات الإقليمية"، والتي تضاف إليها سلسلة كاملة من المبادرات الإنسانية، والتي يمكنها أن تسهل تحقيق مثل هذه الحلول. ولذلك، هناك مجال كبير لمختلف المبادرات، ولكن الرغبة القوية والمشتركة في استخدامها بما يتوافق مع القانون الدولي تبقى أساسية، وإلا فسيكون من الصعب تنفيذها في الممارسة العملية.
أضاف المطران كاتشيا مجيبًا على سؤال حول ما يقلقه أكثر بشأن المناخ العالمي المتوهج، حيث تنفق العديد من البلدان ـ وفقاً للتقرير الأخير الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ـ المزيد من الأموال على التسلح وقال إن أكثر ما يثير القلق هو تزايد خطر "تصعيد" الصراع واستدامة المعاناة الإنسانية. يتضمّن سباق التسلح هذا أيضاً استثمارات ضخمة كان من الأفضل إنفاقها على التنمية الاجتماعية والاقتصادية وبرامج منع الصراعات. والأهم من ذلك أن كل هذا يكشف عن وهم خبيث مفاده أن الأمن يأتي بالقوة وحيازة السلاح، في حين أنه ثمرة علاقات مبنية على الثقة والمسؤولية المتبادلة. وبهذا المعنى، فإن نداء البابا فرنسيس إلى "الأخوة" أو "الصداقة الاجتماعية" يتطلب بالتأكيد "ارتداداً" ضرورياً إذا أردنا تحقيق هدف السلام.
أضاف مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك مجيبًا على سؤال حول ما هي برأيه المخاطر التي تتعرض لها البشرية في هذه المرحلة من التاريخ وقال إن الكنيسة الكاثوليكية، الأمينة لعقيدتها حول الكرامة البشريّة وتعزيز السلام، تعرب عن قلقها العميق إزاء مخاطر الأسلحة النووية. هذه الأسلحة تشكل تهديدًا وجوديًا للبشرية جمعاء، لأنه بإمكانها أن تسبب دمارًا واسع النطاق، وأن تضر بالبيئة، وتسبب آلامًا لا توصف للأجيال الحالية والمستقبلية. وبهذا المعنى، هناك إدانة واضحة ليس فقط لاستخدام هذه الأسلحة، وإنما لحيازتها أيضا، وهي أسلحة غير مقبولة أخلاقيا، لأنها تتعارض مع مبدأ التناسب في الدفاع، وتهدد بإلحاق أضرار عشوائية لا رجعة فيها. ومع ذلك، أود أن أضيف أنه، وفقا للأمين العام للأمم المتحدة، بالإضافة إلى الخطر النووي، هناك حقيقتان أخريان تشكلان خطرًا عالميا على البشرية اليوم، وهما تغير المناخ والتنمية غير المنضبطة لما يسمى بالذكاء الاصطناعي. وعلى هذه الجبهات الثلاث المأساوية، تُسمع الكنيسة صوتها بوضوح وبشكل مقنع. بالنسبة للطاقة النووية، قام الكرسي الرسولي، بالإضافة إلى التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بالترويج لمعاهدة الحظر الكامل للأسلحة النووية، والتي دخلت حيز التنفيذ بالنسبة للدول الموقعة في كانون الثاني يناير ٢٠٢١. وفي مجال تغير المناخ، يكفي أن نتذكر رسالة البابا فرنسيس العامة "كن مسبّحاً" والإرشاد الرسولي "Laudate Deum" في ضوء مؤتمر الأطراف الذي استضافته دبي في ديسمبر كانون الأول الماضي. وأخيرًا، فيما يتعلق بموضوع الذكاء الاصطناعي، أرسل قداسة البابا رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسلام في الأول من كانون الثاني يناير من هذا العام، ويستعد الآن للمشاركة في لقاء مجموعة السبع الشهر المقبل في بوليا، والذي سيتناول بشكل خاص البعد الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
وختم المطران كاتشيا مجيبًا على سؤال حول ما الذي تحتاجه منظمة الأمم المتحدة لكي تلعب دورًا أكثر فعالية في تعزيز السلام وقال أولاً على الرغم من القضايا الحاسمة التي أبرزها الكثيرون، يبدو لي أنه ينبغي التأكيد من جديد مع الاقتناع بأن وجود هذه المنظمة في حد ذاته يمثل نتيجة عظيمة وفرصة عظيمة. ففي العمق، هي الأداة الوحيدة المتاحة للمجتمع الدولي بأسره لكي يتمكن من يلتقي ويناقش ويحاور بطريقة دائمة ومستقرة. وكما هو الحال في جميع المؤسسات، تعد التعديلات المستمرة ضرورية لمواكبة العصر، وبهذا المعنى هناك عمليات مختلفة تهدف إلى تعزيز إصلاح النظام. ولكن وبشكل خاص، يبدو لي أن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة تحتفظ بكامل صلاحيتها، كما لا تنقصها الأدوات والآليات. وربما من الضروري إعادة اكتشاف تلك الروح التي حفزت إنشاء هذه المنظمة لثمانين سنة خلت، من أجل إعادة اكتشاف المسارات التي يمكنها أن تؤدي إلى السلام اليوم. ويبدو لي أن هذا هو ما هو على المحك في "قمة المستقبل" المقبلة التي سيتم الاحتفال بها هنا في نيويورك في أيلول سبتمبر المقبل.
 

15 مايو 2024, 09:42