نهاية الحياة، المطران باليا: أعظم علاج هو البقاء بقرب المريض
إنَّ المسألة ليست "نعم للقتل الرحيم، لا للقتل الرحيم" لأن الموضوع بهذه الطريقة يكون "جافًا جدًا، وشديد البرودة". لكن المشكلة هي "كيفية المرافقة، وكيفية جعل هذه المرحلة أقل إيلاما قدر الإمكان، وفي الوقت عينه، أقل يأسا". توقف رئيس الأساقفة فينشنزو باليا، بتأمل واسع أمام الصحفيين الذين انضموا إليه في مقر الأكاديمية البابوية للحياة، عند موضوع نهاية الحياة. قبل أن يغادر بعد أيام قليلة إلى الولايات المتحدة، وبعدها مباشرة سيصل إلى كندا، بدعوة من الأساقفة المحليين، للمشاركة في ندوة حول العلاجات التلطيفية. ويقول إن قلقه والتزامه هو تسليط الضوء على موضوع يدعي أن بعض القوانين تميل إلى التقليل منه أو تجانسه فيما أنّ "كل حالة وفاة هي مختلفة عن الأخرى، وبالتالي يجب أن تتمّ مرافقتها بطريقة شخصية".
في جوابه على السؤال حول كيف يستعدّ لهذا اللقاء قال المطران باليا تمثل زيارتي إلى كندا لحظة خاصة بالنسبة لي، لأنه في ثقافة مثل الثقافة الغربية، يجب على موضوع المراحل الأخيرة من الحياة أن يكتسب أهمية لا زال لا يملكها حتى الآن. وهناك خطر إنتاج تشريعات تسعى في العمق إلى استبعاد المشكلة من خلال قوانين باردة، تميل إلى توحيد حالات مختلفة تماما، قوانين قد تبدو أشبه بغسل اليدين إلى حد ما. لكنني، أعتقد أنها مسألة يجب أن نتناولها باهتمام كبير. إن كلمة العلاجات التلطيفية تحتاج إلى شرح جيد جدًا. إذا كان بإمكاني استخدام مصطلح آخر، فسأقول المرافقة، التي تزيل على سبيل المثال مأساة الوحدة، والتي ليست ألمًا جسديًا، ولكنها نوع من المأساة الداخلية التي يجب علاجها. وذلك من خلال القرب، والمودة، والاهتمام، والحب. يمكن لمسألة الألم الجسدي أن تكون مأساوية ويجب علينا محاربته وفي رأيي هنا يجب أن نحث الحكومات على إجراء دراسات علمية وبحثية أيضًا في هذه العلاجات التي ترافق نهاية الحياة. يجب أن نحث الكنائس على إعادة اكتشاف أهمية المرافقة من أجل ميتة صالحة، والتي هي بالنسبة لنا نحن المؤمنين انتقال إلى الحياة مع يسوع. علينا أيضًا أن نساعد جميع الأديان الأخرى أو الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، لأنه في تلك اللحظة الأخيرة يحتاج كل واحد منا لأن يشعر بالقرب الجسدي. وبالتالي، بهذا المعنى يبدو من المهم بالنسبة لي ألا يكون التأمل فقط "نعم للقتل الرحيم، لا للقتل الرحيم": إنه موضوع جاف جدًا، وشديد البرودة. المشكلة هي كيف نرافق، كيف نجعل هذا المرحلة من الحياة أقل إيلاما قدر الإمكان، وفي الوقت عينه، أقل يأسا. ولهذا السبب، هناك تحدٍ كبير أمامنا يتعلق بمعنى الحياة ذاته.
تابع رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة مجيبًا على سؤال حول إن كان هناك أيضًا دربًا يجب اتباعه ويتطلع إلى المستقبل وقال نعم، إنها مناقشة مهمة للأجيال القادمة أيضًا. إن التأمُّل حول نهاية الحياة يعني في المقام الأول أن نفهم هذا: ولكن هل هذه هي نهاية الحياة حقًا؟ تقول لنا فلسفة الكم لا، لأنه على أية حال، نحن سنبقى كطاقة. فيما يخبرنا الوحي المسيحي بأن الموت هو عبور وليس النهاية، يمكننا أن نقول نهاية هذه الحياة الأرضية بطريقة معينة، ولكننا نعلم من قانون الإيمان أن حياة الإنسان بعد الموت تستمر، حتى لو كحياة قيامة – وللأسف هذا البعد لم يعد يتم التركيز عليه في العظات، في حين يجب علينا أن نعيد اكتشافه. ولهذا أعتقد أن هذا التأمُّل حول العلاجات التلطيفية أو رعاية نهاية الحياة هو موضوع كبير يهم جميع مكونات المجتمع، من المكونات الطبية إلى العلمية والتربوية، ومن المكونات الإنسانية إلى الفلسفية واللاهوتية والنفسية.
أضاف المطان باليا مجيبًا على سؤال حول ما قاله البابا فرنسيس حول أنه يجب علينا أن نرافق الأشخاص في المراحل الأخيرة من الحياة ولكن ألا نتسبب في الموت أو نسهل الانتحار بالمساعدة الطبية، وكيف قد يكون ذلك ممكنا وقال لقد نشرت الأكاديمية الحبرية للحياة دراسة منذ بضع سنوات في نهاية مؤتمر دولي حول هذا الموضوع بالتحديد، حيث حددنا عشر نقاط تصف معنى العلاجات التلطيفية. الحياة هي هبة وهي عطية يوكلها الله إلينا. وبالتالي فالحياة هي لنا أيضًا، نعم، لكنها ليست ملكنا فقط. لقد أعطانا الرب الحياة كعطية عظيمة، لكي نتمكن من مضاعفتها لأنفسنا وللآخرين. لا بل، إذا ضاعفناها للآخرين، فسوف نضاعفها لأنفسنا أيضًا. ولهذا السبب، يحثنا البابا فرنسيس على أن نفهم أيضًا أن مرافقة بعضنا البعض في هذه المرحلة الأخيرة تُغني الجميع. حتى عندما لا يكون الشفاء ممكنًا، يمكننا دائمًا أن نعالج، وعلينا دائمًا أن نعالج. وحتى عندما لا يكون لدينا الوسائل لإيقاف مسيرة الموت، الذي يصل للجميع، إلا أنّ هناك الحضور من أجل الآخر. لم يعد هناك شيء نفعله، ولكن هناك إمكانية أن نمسك بأيدي بعضنا البعض، هناك إمكانية أن نكون بقرب الآخر لكي نظهر أن الحب هو أقوى من ألم الموت، وأن الصداقة هي أقوى حتى من الموت الذي يريد أن يقطع العلاقات. وما حدث على الجلجلة يمكنه أن يكون بطريقة ما مثالاً على ذلك. بأي معنى؟ من المؤكد أن حضور أمه والتلميذ الشاب بقربه قد شكلا تعزية ليسوع، وقد سمعت تلك الأم وذلك التلميذ الشاب يسوع الذي كان يحتضر يقول لهما: هذه هي أمّك وهذا هو ابنك. لقد كان الحب هو الذي يتسمرّ. هناك بدأت القيامة، لأن الموت الذي أراد أن يسكت يسوع كان في الواقع موتًا قد بدأ يولد تضامنًا جديدًا، وأخوَّة جديدة. ففي العمق، نحن نعيش القرب حتى في بداية الحياة: عندما تلد الأم طفلاً، هناك من يستقبله، ومن يقطع الحبل السري، من يعتني به ويجعله ينمو. وبالتالي، كما نولد فيما يرافقنا شخص آخر، كذلك يجب أن نموت فيما هناك من يرافقنا.
وخلص رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة مجيبًا على سؤال حول كيف يمكن للكنيسة والأكاديمية الحبرية للحياة بشكل خاص أن تتعاملا بشكل بناء حتى مع وجهات النظر الأكثر انتقادًا حول هذه القضايا وقال علينا أن نستمر في التأمُّل والتحدث مع الجميع، لأن وجهات النظر هذه هي وجهات نظر إنسانية. ينيرها الإيمان، ولكن العقل يفهمها. ولهذا السبب فإن مهمة الكنيسة هي محاولة نزع الأيديولوجية عن هذه المواضيع، التي غالبًا ما تكون ملوثة بأيديولوجيات وليس بمرافقة فعليّة. يكفي القليل من العقل لكي نفهم أن كل حالة وفاة تختلف عن الأخرى، وبالتالي يجب أن تتمّ مرافقتها بطريقة شخصية. لذلك، كل واحد يحتاج إلى كلماته، وتصرفاته، وحضوره. وهذا ما يجب أن نجعل الناس يفهمونه. وبطبيعة الحال، هناك الملايين من القوانين، لأنه إذا لم تكن هناك قوانين، فإن الخطر يكمن في سيطرة البربرية. ربما قد يكون كل هذا ضروري ولا غنى عنه، ولكن الأمر الأكثر ضرورة هو الثقافة التي توحد المؤمنين وغير المؤمنين، لأن الولادة والموت ليستا مسألتين كاثوليكيتين، وإنما هما مسألتان تطالان الجميع. وبالتالي، فإن إيجاد تحالف وتفاهم واسع ومشترك قدر الإمكان، هو أمر لا غنى عنه. ولهذا السبب أعتقد أن إحدى مهام الأكاديمية الحبرية للحياة هي هذا على وجه التحديد: أن نجعل تلك المسيرة ذات مصداقية، ونقدم دليلاً لتلك الخطوة الإضافية التي نملكها إزاء القضايا التي تهم الجميع، انطلاقًا من بعد العقل على وجه التحديد.