الكاردينال ري: الكاردينال أيوسو رجل كنيسة أصيل متشبّع بروح الإيمان والصلاة
ترأس الكاردينال جيوفاني باتيستا ري، عميد مجمع الكرادلة، عصر الأربعاء في بازيليك القديس بطرس جنازة الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو غويكسوت عميد دائرة الحوار بين الأديان، وللمناسبة ألقى الكاردينال ري عظة قال فيها إذ نجتمع في الصلاة حول مذبح الرب، وفي نور الإيمان نودع الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو غويكسوت الذي دعاه الرب إليه في نهاية أيام طويلة طبعت بالمرض ودخول متكرر إلى المستشفى. كان في الثانية والسبعين من عمره. وكانت المشاكل الصحية قد أبطأت، ولكنها لم تضعف التزامه بالحوار مع الأديان الأخرى في خدمته كعميد لدائرة الحوار بين الأديان، الذي كرّس نفسه له حتى النهاية.
تابع الكاردينال ري يقول في هذا الوقت من الحزن والأسى تنير كلمة الله إيماننا وتعضد رجاءنا: إن الموت لا يملك الكلمة الأخيرة حول مصير الإنسان. تؤكد لنا الليتورجيا أن "الحياة لا تُؤخذ، بل تتحول، وبينما يفنى مسكن هذا المنفى الأرضي يُعدُّ لنا مسكنًا أبديًا في السماء". نحن خُلقنا لله وفيه سنجد السعادة. وتؤيدنا أيضًا الكلمات التي ترددت في القراءة الأولى. فأيوب إذ هزمته المصائب التي حلّت به وهدّه مرض أفسد كل جلده، كان لديه اليقين وهو على شفير الموت: "أنا أعلم أن فادي حي، ... سأعاينه أنا بنفسي وعيناي تريانه".
أضاف الكاردينال ري يقول هذه الكلمات تعيد إلى الذهن ذكرى الرغبة في الله التي ميّزت حياة الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو. وُلد في إشبيلية لعائلة كاثوليكية كبيرة، وأثناء دراسته الجامعية كان يشارك في الرياضات الروحية للشباب. وهكذا تعرّف على مرسلي قلب يسوع الكومبونيين، وقرر في أيلول سبتمبر ١٩٧٣ أن ينضمَّ إلى هذه الرهبانية التي أبرز فيها نذوره المؤبدة في ٢ أيار ١٩٨٠. سيم كاهنًا بعد بضعة أشهر، ثم تابع دراسته في روما في جامعة الأوربانيانا الحبرية، وفي المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية. في تشرين الأول ١٩٨٢، غادر إلى مصر، حيث شغل منصب كاهن رعية جماعة القلب الأقدس للاتين في العباسية، وعمل على استقبال ومساعدة الشباب السودانيين الموجودين في العاصمة المصرية كطلاب أو مهاجرين أو لاجئين. كان يرى في كل إنسان، أيًا كان عرقه أو لغته أو حالته عضوًا في العائلة البشرية الواحدة. وقد قادته هذه الخبرة، على خطى القديس دانيال كومبوني، مؤسس رهبانيته، إلى السودان في زمن الحرب الأهلية، حيث قام بتدريس علم الإسلاميات في الخرطوم منذ عام ١٩٨٩. بعد عودته إلى روما، أصبح عميدًا للمعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية عام ٢٠٠٦.
تابع الكاردينال ري يقول عينه البابا بندكتس السادس عشر مستشارًا في المجلس البابوي للحوار بين الأديان في عام ٢٠٠٧، وفي عام ٢٠١٢ عهد إليه بمنصب أمين سر المجلس البابوي المذكور. في ٢٥ أيار ٢٠١٩، عيّنه البابا فرنسيس رئيسًا لدائرة للحوار بين الأديان، وفي كونسيستوار ٥ تشرين الأول ٢٠١٩، رقاه إلى رتبة كاردينال. لقد كان الكاردينال أيوسو يتمتع بتهيئة مميزة لنشاط تلك الدائرة، حيث قام بعمل واسع وبأسلوب ديناميكي. لقد كان سلسلة من الالتزامات والرحلات إلى مختلف أنحاء العالم لكي يشهد لإخوته المسلمين والهندوس والبوذيين والشنتو والكونفوشيوسيين وأتباع الديانات التقليدية أنه من خلال الصداقة الشخصية يمكن إقامة حوار. وقد كانت تحرّكه القناعة بأن طريق الحوار مع الأشخاص من مختلف التقاليد الدينية هو جزء من رسالة الكنيسة الأصلية. وغالبًا ما كان يقتبس قول البابا بولس السادس في الرسالة العامة "Ecclesiam suam": "على الكنيسة أن تدخل في حوار مع العالم الذي تعيش فيه".
أضاف الكاردينال ري يقول لقد أتيحت له الفرصة ليكون جزءًا من الوفد المرافق للبابا فرنسيس في زياراته الرسولية إلى البلدان التي يشكل الكاثوليك فيها أقلية. فكان حاضرًا بشكل خاص في عام ٢٠١٩، في أبو ظبي، عندما وقّع الأب الأقدس مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف إعلان الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك. وفي آذار مارس ٢٠٢١، شارك في الزيارة البابوية التاريخية إلى العراق، في أرض إبراهيم. لقد كان الكاردينال أيوسو رجل كنيسة أصيل متشبّع بروح الإيمان والصلاة، لكنه كان أيضًا صاحب قلب مفتوح على كل ما يمسّ الإنسان ويهمّ خيره. لقد التقى عددًا لا يحصى من الأشخاص في حياته وحاول أن يفعل الخير لهم جميعًا. كانت لديه قدرة غير مألوفة على إقامة العلاقات، وكان يتميّز باهتمام ودّي تجاه جميع الأشخاص. ومن اللفتات الهامة التي تدل على براعته في التعامل مع الآخرين ما يلي. عندما أدرك في شهر آب أغسطس الماضي أن أيامه لن تكون كثيرة، أوعز إلى أخيه إنريكو أن يذهب بعد وفاته إلى دائرة الحوار بين الأديان ليشكر جميع العاملين معه نيابة عنه على المساعدة القيّمة التي قدموها له. كان لديه قلب رحيم تجاه المحتاجين للمساعدة، مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين. وبصفاء وتسليم لمشيئة الله تقبّل موته وهو يعلم جيدًا، كما سمعنا في الإنجيل، أن "حبة الحنطة التي تقع في الأرض إن لم تمت تبق وحدها. وإذا ماتت، أخرجت ثمرًا كثيرًا".
تابع الكاردينال ري يقول لقد طبّق يسوع هذه الكلمات على نفسه، متنبئًا بموته وقيامته. وفي الوقت عينه، أشار إلى سرّ خصوبة تلاميذه الروحية على مرّ القرون. فقط من خلال المشاركة في آلام المسيح وفصحه يساهم المسيحي في حل المشاكل وتقدم البشرية. من المقطع المذكور من الإنجيل نستخلص أيضًا تعليماً آخر: لكي نُقبل في عظمة محبة الله، يستحق الأمر أن نفقد حياتنا، مثل حبة القمح التي تموت وتتحلل في باطن الأرض لكي تُخرج ثمرًا كثيرًا. وقد أثمر الكاردينال أيوسو ثمارًا وفيرة لنفسه وللآخرين. فلا ننسينَّ درسه لنا في الحياة، في بذل نفسه في الحوار مع الجميع بروح الأخوة والصلاح.
وختم الكاردينال جيوفاني باتيستا ري، عميد مجمع الكرادلة عظته بالقول لنشكر الله على عطيّة أخينا هذا وعلى ما أنجزه من خير. في خروج الكاردينال أيوسو من هذا العالم، لنلتمس له حماية القديس يوسف، الذي كان متعبّدًا له. وإذ نلتف بمودة حول رفاته الفانية نرافقه بصلواتنا إلى الله الغني بالرحمة لكي يفتح ذراعيه له ويقبله في ملكوته الذي "حدوده هي فقط نور وحب".